هذا مقال ثان في بيان مظهر آخر من مظاهر اعجاز القران الذي قد يفنى الزمان ولا تنتهي مظاهر اعجازه الكثيرة المتجددة لتحقيق مقصده الأكبر الا وهو هداية الانسان الى طريق ربه الرحيم الرحمان ويتلخص موضوع هذا الأعجاز في ان القران هو الكتاب الوحيد بين جميع الكتب الذي فضح ما في نفوس اهل الخداع والنفاق والخيانة والبهتان والكذب من ذلك قوله تعالى وهو يحدثنا عما يخفيه لنا في صدورهم وفي نفوسهم طائفة من اهل الكتاب(ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى ياتي الله بامره ان الله على كل شيء قدير) البقرة 108 فهذه الطائفة الكتابية بصريح القران تريد ان تعيد المؤمنين بالله تعالى وبرسوله الكريم الى ظلام الكفر وتخرجهم من نور الله وتحرمهم من تذوق حلاوة الايمان وذلك تحت تاثير آفة ومرض الحسد الذي ليس لنا وقاية وليس لنا نجاة منه الا بالاستعاذة بالله سبحانه وتعالى السميع العليم القوي الواحد الأحد ومن ذلك قوله تعالى على لسان نبيه يعقوب عليه السلام وقد جاءه ابناؤه عشاء يبكون بعد ان القوا يوسف في غيابات الجب وجاؤوا على قميصه بدم كذب واتهموا الذئب البرئ في دمه(...قال بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) فواضح ان الله تعالى قد اخبر نبيه يعقوب عليه السلام بما فعله اخوة يوسف وبما سولت لهم به انفسهم في شانه فرد على ابنائه بكل ثقة وبكل اطمئنان بذلك القول وبذلك الكلام ولكانه راى وشاهد ما صدر منهم وما وقع ليوسف ابنه وما حدث له وما كان ومن ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران وهو يفضح المنافقين المتشككين في صدق الرسول وفي دين رب العالمين(...يخفون في انفسهم ما لا يبدون لك يقولون لوكان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لوكنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور)154 فمن الواضح بعد هذا الكلام الرباني العظيم ان هؤلاء القوم يشكون ضعفا في الايمان وفي معرفة و فهم صفات الله الذي يقرر وحده زمان ومكان حياة وموت الانسان وان الله وحده العليم بما في الصدور وما في القلوب وكل شيء عنده يتعلق بالموت والحياة مقدر ومسطر ومكتوب ومن ذلك قوله تعالى في سورة الفرقان(وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا انزل علينا الملائكة او نرى ربنا لقد استكبروا في انفسهم وعتوا عتوا كبيرا)21 والمعنى ان هؤلاء القوم لا يريدون ولا يسعون حقيقة الى الايمان المطلوب كما امن غيرهم من الناس بل غايتهم الاستهزاء بالرسول عليه الصلاة والسلام وتكذيبه وتعجيزه امام الناس والاستكبار والعتو عليه وعلى دين الله وهو مرض نفسيي خطير جدا بل هو اشد الكفر والفحش من القول البذيء الرديء في الرد على ما بعث به الرسول عليه الصلاة والسلام اذ لا معنى لا تجسيم للايمان الديني المطلوب لو راى هؤلاء الملائكة اوراوا الله تعالى راي العيون فالايمان الديني المطلوب منهم هو الايمان بالغيب واتخاذ مخلوقات الله دليلا وبرهانا للهداية والرشاد كما تحقق ذلك لاهل الايمان الصادق الحقيقي والهداية والرشاد من العباد... فسبحان الله تعالى العظيم العزيز الغفورالمطلع على خبايا الأنفس وما تخفي الصدور الذي فضح في قرانه العظيم اهل الكذب والبهتان والنفاق والفجور وجعل ذلك مسطورا خالدا يقراه الناس على مر العصور وتعاقب الدهور ولله وحده سبحانه وتعالى الامر من قبل ومن بعد ولله وحده سبحانه وتعالى عاقبة الأمور.