خلّف القرار الذي اتخذه رئيس بلدية الكرم فتحي العيوني بتركيز صندوق للزكاة في البلدية التي يشرف عليها وما قام به من تدشين لهذا الهيكل الجديد ردود فعل متباينة بين معارض له ورافض من منطلق مخالفته لمبدأ مدنية الدولة الذي لا يسمح بوجود مؤسسات وقوانين لها علاقة بالدين الإسلامي وشريعته وبين مستحسن له و قابل على اعتبار أن ما قامت به بلدية الكرم هو إحياء لفريضة تم التغافل عنها ونسيانها واليوم بهذا الصندوق فإن الحياة تعود لهذه الشعيرة المغيبة. ومن بين ردود الفعل المباشرة لهذا الجدل الحاد حول إنشاء صندوق الزكاة يكون تابعا للبلديات خاصة وأن الكثير من رؤساء المحليات قد أبدوا نيتهم في اتخاذ نفس الخطوات التي اتخذها رئيس بلدية الكرم، الموقف الذي صدر عن لطفي زيتون وزير الجماعات المحلية ساعات قليلة بعد الندوة الصحفية التي نظمتها بلدية الكرم حيث أوضح في حوار على قناة الحوار التونسي بأن الذي حصل لا يجب أن يفهم على أننا في إطار معركة وجدل ديني فنحن شعب مسلم لذلك فنحن لسنا بصدد مناقشة قاعدة من قواعد الإسلام المعروفة وإنما مدار الحديث هنا هو معرفة مدى مطابقة التصرف الذي أقدم عليه رئيس بلدية الكرم لقواعد المالية العمومية والمنشور الذي صدر عن الوزارة التي أرأسها ليس تعليقا عن هذه الحادثة وإنما هو توضيح للفصل 138 من مجلة الجماعات المحلية الذي بقى فهمه ملتبسا خاصة وأن المشرع التونسي قد اختار في هذا الفصل أن يتحدث عن الهبات والتبرعات التي تتلقاها البلدية لا غير والزكاة ليست هبة ولا تبرعا وإنما هي فريضة واجب على المسلمين أداؤها وفق مصارف حددها القرآن الكريم ووهي كذلك قاعدة من قواعد الإسلام الخمس وبالنسبة للمسلم لا يمكن أن يتبرع بها كما لا يمكن أن تدخل ضمن الهبات التي يقوم بها وهي حق للفقراء في مال الأغنياء قال تعالى " وفي أموالهم حق للسائل والمحروم " وقد وضع لها القرآن ترتيبات مضبوطة بالنص القرآني والمشرع التونسي من منطلق مراعاته لأحكام الإسلام قد اختار منذ سنة 1989 أن يتولاها الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي الذي تضمن قانونه المؤسس فصولا تتعلق بإدارة صندوق للزكاة باعتباره أقرب مؤسسة تابعة للدولة قادرة على إدارة أموال الزكاة وتحت إشراف المجلس الإسلامي الأعلى باعتبار أن هناك بعدا دينيا في المسألة غير أن هذه المؤسسة التي أحدثها المشرع التونسي لم تعرف انتظاما في أدائها ولا استمرارا في الزمن فأحيانا تفعل و أحيانا أخرى يتم تجميدها ورغم ذلك فإن الذي يمكن إقراره هو أنه لدينا مؤسسة تعنى بمسألة جمع أموال الزكاة وصرفها وهي موجودة في قوانين الدولة التونسية وهياكلها بما يعني أن الدولة التونسية قد راعت الجانب الديني للمسلمين بناء على أن هناك من المواطنين من يريدون القيام بهذه الفريضة ويرغبون في أدائها ولا يعرفون لمن يعطوا زكاة أموالهم. وبالنسبة للبلديات فإن مجلة الجماعات المحلية قد نظمت موضوع التبرعات والهبات ولم تتعرض إلى موضوع الزكاة ونحن خلال انتشار فيروس كورونا وما خلفه من أضرار للمواطنين ومن احتياجات اجتماعية فقد اتصل بنا العديد من رؤساء البلديات يستفسرون حول إمكانية قبول تبرعات من بعض الأفراد الذين يريدون أن يعينوا الدولة في هذه الأزمة الصحية كما توصلت الوزارة بمعلومات أمنية تتعلق بقيام بعض رؤساء بلديات بإرسال إرساليات تدعوا المواطنين بالتبرع لفائدة حسابات خاصة تابعة للبلديات بمناسبة الجائحة لتقوم فيما بعد بتوزيعها على العائلات المعوزة والمحتاجة فكان علينا أن نتدخل لتنظيم المسألة من خلال مراسلة كنت قد وجهتها إلى وزارة المالية استشرت من خلالها وزير المالية بخصوص تفعيل الفصل 138 من المجلة الذي يشترط استشارة القابض البلدي والسيد الوالي في علاقة بعدم جواز فتح حساب جاري خارج الحساب الخاص بالبلدية الذي يتكفل بضبط كل مداخليها ومصاريفها بما يعني أنه من الناحية القانونية ليس هناك أية إمكانية لأي شخص في أن يفتح حسابا خاصا باسم أي هيئة عمومية و يتولى جمع الأموال باسم الدولة خارج الميزانية العامة وكل عمل من هذا القبيل يمكن أن يرتقي إلى مستوى الجريمة. وفي علاقة بموقفه مما أقدم عليه رئيس بلدية الكرم قال لطفي زيتون بأن القانون لا يخول له الحكم على تصرفات رؤساء البلديات وإنما الذي له الصفة القانونية في تقييم الأداء البلدي هو السيد الوالي وفي موضوع الحال فقد قام والي تونس منذ مدة بطلب توضيحات بخصوص محتوى الفصل 138 من مجلة الجماعات المحلية وتم إعلامه بأنه لا يمكن التوسع في مجال الفصل المذكور وهو محصور في الهبات والتبرعات لا غير لأن الأمر متعلق بالمالية العمومية بما يعني أن مسألة الزكاة ليس لها إطار قانوني ضمن مجلة الجماعات المحلية والسيد الوالي له كامل الصلاحيات بعد أن يتضح له بأن تصرف جماعة محلية ما مخالف للمالية العمومية في أن يتوجه إلى المحكمة الإدارية لإبطال قرارات المجالس المحلية المخالفة. وينهي لطفي زيتون حديثه بالقول بأن فعل الخير مطلوب وهو مسموح به ولكن لا يمكن أن يكون بكل الطرق وإنما طريقه السليم أن يكون مطابقا للقانون والجماعات المحلية هي مكلفة بجملة من المهام كلفها بها القانون والزكاة وفق القانون التونسي ليست من مهام البلديات وإنما مكانها الصحيح هو صندوق الزكاة الممنوح إلى الاتحاد التونسي للتضامن والجدل القائم اليوم على خلفية ما قام به رئيس بلدية الكرم هو موضوع ديني بامتياز حاولنا أن نتجنبه ونبعده عن الجدل الايديولوجي ورغم ذلك فإننا اليوم نجد أنفسنا أمام طرفين يتصارعان طرف يريد أن يلغي الدين من البلاد و ينكر فريضة الزكاة ويقول فيها كلاما يمس من مشاعر المسلمين وطرف ثان يريد أن يخضع الدين لكل أوجه الحياة ويجعله فاعلا في كل شيء وفي كل وقت وهذا الجدل من شأنه أن يعطل تقدم البلاد ويشتت طاقتنا ويهدر الوقت ويمنعها من الاهتمام بالقضايا الأكثر إلحاحا وهو جدل مع كل أسف يزيد من توتير الأجواء في البلاد ويعطي الانطباع بأننا لسنا على دين واحد والحال أننا شعب له مشترك واحد وهو على مذهب فقهي واحد ويفتقد للصراعات القائمة على أساس العرق والدين واللغة .