في عدّة مرّات أُصْدَم بقطْع بثّ أغنية و هي لم تكتمل بعد، أو بالإكتفاء بتمرير طالعها أو جزء منها لا يتعدّى عُشُر مدّتها الأصلية !! يقع ذلك بالخصوص أثناء المنوّعات و البرامج الإذاعية الحوارية التي أصبحت تتميّز بهذا الأسلوب الغريب في تعاملها مع الأغنية التي أصبحت تُعتبَر وكأنّها مجرّد إستراحة قصيرة لتمكين الضّيوف المتحاورين من إسترجاع أنفاسهم قبل مواصلة الحوار.. هم لا يتصوّرون كيف وُلِدت تلك الأغاني و لا عِلْم لهم بمدى تعب و معاناة مبدعيها في جميع مراحل ولادتها من عسر مخاض كتابة كلماتها ثمّ صعوبة و طول مدّة تلحينها وتوزيعها و تسجيلها و دقّة عملية تنظيفها وتجميلها قبل تقديمها في حلّتها اللّائقة النّهائية إلى النّاس... هم لا يعلمون بمدى شعور الفنّان بالحزن و الإحباط والإهانة كلّما بُثّت أغنيته مبتورة "مشرومة " من غير سبب تقنيّ إضطراريّ أو حالة من حالات "القوّة القاهرة" كعطب مفاجئ في أدوات البثّ أو ضرورة تمرير خبر عاجل هامّ... هكذا أصبحت الإذاعات، إذًا ، تتعامل مع الأغاني وتقطع منها ما تشاء وقتما تشاء دون عذر ولا حرج ولا إحترام لمشاعر أهل الكلمة و المغنى، معتبرة خلاصة فكرهم ورحيق جهدهم مجرّد "مزّة" تافهة رخيصة يجمّلون بها طاولات مآدبهم الحوارية الماراطونية الممطّطة المجترّة اللّبيسة.. ثمّ .. أليس من حقّ المستمعين أن يتمتّعوا بأغنية كاملة ربّما تمثّل لهم فترات سعيدة وذكريات خالدة لذيذة من حياتهم...؟ أقترح على زملائي الشّعراء والملحّنين التّفكير، مستقبلا، في صناعة أغاني على مقاس تقاليد البثّ الحديثة، لا تتجاوز مدّتها بضع ثواني حتى يرضى عنّا محترفوا تعمُّد "البتر" و تفضيل الثّرثرة على المغنى...