أكد المختص في علم الاجتماع زهير العزعوزي في-تصريح صحفي-على إحدى القنوات التلفزية التونسية في الأشهر القليلة الماضية أنّ الأرقام مفزعة في معدل الجريمة في تونس سواء بالوسط الحضري او الريفي. وقال العزعوزي ان المجتمع التونسي يسجل ما بين 20 و25 جريمة في كل ساعة وقد بلغ عدد الجرائم منذ جانفي الى جويلية 2019 ،150 الف جريمة،مشيرا إلى أن ارتفاع كبير في جرائم النشل و«البراكاجات» وخاصة استهداف النساء بنسبة مخيفة.. يومياً تسجَّل جرائم قتل واغتصاب وعنف وسلب ما جعل المواطنين التونسيين وحتى النواب يحذرون من ارتفاع منسوب الجريمة في تونس. كذلك،يحذّر خبراء من تنامي الجريمة وتأثير ذلك على المستويات التربوية والاجتماعية في البلاد،خصوصاً أنّ تلك الزيادة في عدد الجرائم تساهم في تغيير النظرة إلى الجريمة في المجتمع إلى نظرة متساهلة تستخف بالجريمة وتعتاد على تكرارها،وهو ما يؤدي إلى استفحال الجريمة واختراقها ثقافة المجتمع في حدّ ذاتها.. بحسب التقرير السنوى لمؤشر الجريمة العالمي الذي نشره موقع موسوعة قاعدة البيانات “ناميبو” فقد احتلت تونس المرتبة 10 عربياً و53 دولياً من مجموع 125 دولة في ارتفاع نسبة الجريمة للعام 2017،وتشمل الجريمة القتل والسطو والسرقة والاغتصاب. المحامي التونسي منير بن صالحة يقول إنّ ارتفاع نسبة الجريمة في تونس لا يعود الى غياب الردع فالقانون التونسي يتضمن ما يكفي من الفصول الردعية ويعاقب بالسجن وبعقوبات شديدة تصل إلى الإعدام في بعض الجرائم،بل يعود إلى الشعور السائد لدى كثيرين بأنّ القانون لا يطبق،وأنّ في الإمكان الإفلات من العقاب،وبالتالي يوحي أنّ السلطة ضعيفة. ثم يضيف -أنّ وجود مثل هذا الشعور لدى العموم يخلق نوعاً من الاستهتار بالجريمة التي أصبحت ترتكب بكلّ سهولة وبساطة،مبيناً أنّ “هناك جرائم بشعة ترتكب لأسباب بسيطة،فأحياناً تزهَق سيجارة روح إنسان،ومن أجل مبلغ مالي بسيط قد يقتَل شخص، وبهدف سلب هاتف جوال قد تغتصَب النساء”. كما يوضّح-بن صالحة- أنّ انتشار المخدرات والممنوعات ساهما أيضاً في ارتفاع نسبة الجريمة،وبالتالي،لا بدّ من التفكير في إصلاح عميق نفسي واجتماعي وقانوني للجريمة والعنف في تونس.كما يدعو أيضاً إلى ضرورة إصلاح السجون التونسية التي تعاني من الاكتظاظ وقد لا تؤدي دائماً إلى الإصلاح بل قد تساهم في تكوين المجرمين. ارتفاع منسوب الجريمة في تونس بعد الثورة بالأرقام: في أواخر شهر نوفمبر 2018،على هامش ندوة تحت عنوان”حول الجريمة في تونس”، قال مدير المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية،ناجي جلّول،”الجريمة في تونس إرهاب يومي”،وأفاد أنّ سنة 2018، سجّلت زيادة ب 21 بالمائة في نسبة الإعتداء على الجسم البشري،وحوالي 39 بالمائة في الإعتداء على الطفولة والأسرة،و29 بالمائة في جرائم المُخدّرات،وأوضح أنّ ظاهرة انتشار الجريمة شهدت تطوّرا كبيرا بين سنة 2017 و2018 ومن المحتمل أن تبلغ عدد القضايا نهاية سنة 2018-200ألف قضيّة..! وصرّح أنّ ظاهرة الجريمة متفشّية في صفوف الشباب حيث أنّ 73 بالمائة من الأشخاص المُتهمين في مختلف القضايا هم دون سنّ 18 سنة،وأنّ مليون شاب تونسي هم خارج كافة المنظومات التعليمية والتكوينية. والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع: إلى أين نحن ذاهبون؟ هذه تونس بعد ثورة الربيع العربي،تونس 2020،هذا هو الشباب الواعي والمثقّف والناجح..؟!! نعم هذه نتيجة السياسات والحكومات المتعثّرة والفاشلة التي أودت ببلادنا إلى الهاوية في مختلف المجالات.. وإذن؟ عن أيّ أمن نتحدّث إذا والتونسي أصبح مهدّدا في كلّ مكان وزمان بالإعتداء عليه لفظيا وماديا وجنسيا وجسديا وقتله والمرور بسلام،والكلّ يعلم اليوم أنّ التونسي أصبح أيضا يخاف التدخّل لإنقاذ أحدهم من-براكاج-خوفا على حرمته الجسديّة،وهذا من حقّه،لقد تفاقمت السرقة والبراكاجات والعنف في الشارع التونسي وفي كلّ مكان،وأصبحت تونس تعيش حالة من الإستنفار على كلّ المستويات، تسعة سنوات ونيف لم تكفي السياسيين والبرلمانيين في تنظيم هذه الرقعة الجغرافيّة المنكوبة،تسعة سنوات ونيف لم يتمكّنوا هؤلاء من إرساء منظومة أمن وأمان واستقرار ترتقي بالبلاد وتحمي التونسيين،وتجدهم اليوم في السباق للمناصب يتسارعون ويتخاصمون على كرسي ملك الغابة..؟! ظاهرة اجتماعية: وعن تفشي ظاهرة الجريمة،قال الدكتور في علم الاجتماع الهادي العلوي في تصريح صحفي له إنّ ظاهرة الانحراف والجريمة من الظواهر التي تواجه جميع المجتمعات النامية والمتقدمة، وهي نتاج لعوامل البيئية الاجتماعية الاقتصادية أو السياسية،مشيرًا إلى أن المجتمع التونسي يعيش بعد الثورة تداعيات أزمات متتالية، وأصبح يعيش نوعًا من "الأنوميا" (ظاهرة يتعرض لها النظام الاجتماعي وتجعله غير منظم)،إلاّ أن الجريمة في تونس ورغم انتشارها لا يمكن تصنيفها بالخطيرة أو الوبائية. وأكّد على أن منظمات المجتمع المدني والجمعيات المحلية تقوم بتعبئة وتنظيم مشاركة الأفراد وتقديم خدمات إنتاجية ورعائية واجتماعية وتحسين جودة الحياة للفئات ذات علاقة وهذه المنظمات تعتبر إطارًا مثاليًا للمشاركة الشعبية ومواجهة التحديات بشكل جمعي من خلال وضع سياسات عامة تهدف إلى معالجة المتغيرات الطارئة على المجتمع ومتابعة ومراقبة من أجل الإصلاح، مضيفاً أن المجتمع يملك الكثير من القوى والتأثير في كبح الجريمة أو تشجيعها وهذا يلزم المجتمع أن يبذل الجهود في دعم الحالة الاجتماعية. على سبيل الخاتمة: إنّ ارتفاع نسب الجريمة لم ير فيه التونسيون تهديدًا للأمن العام وسلامة المواطنين في الشوارع ووسائل النقل العمومية فقط،بل تجاوز الخوف عند طيف منهم ليصل حد التحذير من أن هذه العمليات المتواترة وفي فترات زمنية قصيرة تهدف إلى زعزعة الاستقرار الداخلي ومن ثمة استهداف المشهد الديموقراطي برمته.