"الحضارة العظيمة لا تزيل الشر ولا تمحو الجريمة، ولكنها توجد الشر العظيم والجريمة العظيمة." -توفيق الحكيم "من مصائبنا الآن الجريمة المنظمة والحكومة غير المنظمة. "- ليونيد شيبارشين (الرئيس السابق للمخابرات الخارجية بجهاز المخابرات السوفياتى (كى.جى.بى) يعرف القانون الجريمة على انها فعل أو امتناع ،يحظره القانون ويقرر عقوبة لمرتكبه،وأنه لكي تقوم الجريمة قانونا ينبغي أن تجتمع لها عدة أركان ، أولها الركن الشرعي أو القانوني ، وثانيهما الركن المادي أما ثالثهما فهو الركن المعنوي . فمن المبادئ الراسخة في القوانين الجزائية المعاصرة هو المبدأ القاضي بأنه لا عقوبة بدون خطأ وكل من ارتكب قصدا عملا مضرا بالغير واقعا تحت طائلة القانون الجزائي يعتبر مرتكبا لجريمة متوفرة الأركان . علماء الاجتماع يرجعون تفشي ارتفاع الجريمة في المجتمع التونسي: أولا انتفاء الوازع الذاتي بسبب سقوط القيم الأخلاقية النبيلة التي كان ينشأ عليها الفرد ، ثانيا الاستبداد كحلقة من العنف تولد عنفا أي لم تعد الدولة وحدها من تمتلك العنف الشرعي إنما هو سلوك كل يمارسه من زاويته وقدر إمكانياته، كذلك الفقر والخصاصة الذي تعاني منه أغلب الأحياء الشعبية إضافة إلي التهميش وانسداد الأفق والانقطاع المبكر عن الدراسة كلها عوامل تساهم في نشأة شخصيات مهزوزة نفسيا إن لم نقل مشوهة . في هذا السياق،يؤكّد المختص في علم الاجتماع زهير العزعوزي أنّ الارقام مفزعة في معدل الجريمة في تونس سواء بالوسط الحضري او الريفي.وقال العزعوزي ان المجتمع التونسي يسجل ما بين 20 و25 جريمة في كل ساعة وقد بلغ عدد الجرائم منذ جانفي الى جويلية 2019 ،150 الف جريمة، مشيرا إلى أن ارتفاع كبير في جرائم النشل و"البراكاجات"وخاصة استهداف النساء بنسبة مخيفة،في إشارة إلى الجرائم المسجلة خلال الأشهر القليلة الماضية.. وإذن؟ يومياً تسجل إذا جرائم قتل واغتصاب وعنف وسلب ما جعل المواطنين التونسيين وحتى النواب يحذرون من ارتفاع منسوب الجريمة في تونس. كذلك، يحذر خبراء من تنامي الجريمة وتأثير ذلك على المستويات التربوية والاجتماعية في البلاد، خصوصاً أنّ تلك الزيادة في عدد الجرائم تساهم في تغيير النظرة إلى الجريمة في المجتمع إلى نظرة متساهلة تستخف بالجريمة وتعتاد على تكرارها، وهو ما يؤدي إلى استفحال الجريمة واختراقها ثقافة المجتمع في حدّ ذاتها.بحسب التقرير السنوى لمؤشر الجريمة العالمي الذي نشره موقع موسوعة قاعدة البيانات “ناميبو” فقد احتلت تونس المرتبة 10 عربياً و53 دولياً من مجموع 125 دولة في ارتفاع نسبة الجريمة للعام 2017،وتشمل الجريمة القتل والسطو والسرقة والاغتصاب. بعد الثورة دخل المجتمع التونسي مرحلة انتقال جذري ليس سياسيا فقط بل الأهم اقتصاديا واجتماعيا والمعروف ان الشعوب في المراحل الانتقالية تمر بمعضلة تتعلق بالقيم والأخلاق خاصة مع ضعف المنظومة الأمنية و الدولة. لكن هل أن تسع سنوات لم تكن كافية ليعود المجتمع التونسي لاستقراره وتوازنه؟ الجواب في العموم ان التوازن الامني يسير بخطى ثابتة لكن هذا لا يكفي لان المسألة لا تطرح من جانبها الامني فقط. وردًا على استفحال عمليات السلب "القاتلة" دعا بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تشديد العقوبات على الخارجين عن القانون ومضاعفة العقوبة السجنية، فيما ذهب جزء منهم إلى المناداة بإعدامهم مستندين إلى شهادات من التاريخ ومن بعض كتب علماء تونس الزيتونيين قبل الاستقلال من بينهم العلامة محمد الطاهر بن عاشور في كتابه التحرير والتنوير (182/6): (وقد كانت نزلت بتونس قضية لصّ اسمه "ونّاس" أخاف أهل تونس بحيَله في السرقة وكان يحمل السلاح، فحُكم عليه بحكم المُحارب في مدة الأمير محمد الصادق باي وقُتل شنقا ب"باب سويقة"). إلى ذلك،فإنّ ارتفاع نسب الجريمة لم ير فيه التونسيون تهديدًا للأمن العام وسلامة المواطنين في الشوارع ووسائل النقل العمومية فقط،بل تجاوز الخوف عند طيف منهم ليصل حد التحذير من أن هذه العمليات المتواترة وفي فترات زمنية قصيرة تهدف إلى زعزعة الاستقرار الداخلي ومن ثمة استهداف العملية الديمقراطية برمتها.. والسؤال الذي يطرحه-كاتب هذه السطور-: إلى أين نحن ذاهبون؟ هذه تونس بعد ثورة الربيع العربي، تونس 2019،هذا هو الشباب الواعي والمثقّف والناجح،نعم هذه نتيجة السياسات والحكومات المتعثّرة والفاشلة التي أودت ببلادنا إلى الهاوية في مختلف المجالات.. عن أيّ أمن نتحدّث والتونسي أصبح مهدّدا في كلّ مكان وزمان بالإعتداء عليه لفظيا وماديا وجنسيا وجسديا وقتله والمرور بسلام،والكلّ يعلم اليوم أنّ التونسي أصبح أيضا يخاف التدخّل لإنقاذ أحدهم من "براكاج" خوفا على حرمته الجسديّة،وهذا من حقّه،لقد تفاقمت السرقة والبراكاجات والعنف في الشارع التونسي وفي كلّ مكان،وأصبحت تونس تعيش حالة من الإستنفار على كلّ المستويات..تسع سنوات لم تكفي السياسيين والبرلمانيين في تنظيم هذه الرقعة الجغرافيّة المنكوبة.. تسع سنوات لم يتمكّنوا هؤلاء من إرساء منظومة أمن وأمان واستقرار ترتقي بالبلاد وتحمي التونسيين،وتجدهم اليوم في السباق للمناصب يتسارعون ويتخاصمون على كرسي ملك الغابة،هذا في الوقت الذي تراق فيه دماء الأبرياء على الإسفلت،في الأزقة والشوارع..وداخل الملاهي الليلية..!!