حفيد ملكة بريطانيا خطب فتاة أحلامه، وأقام عرسا قيل عنه: إنه عرس القرن، وأن الذين شاهدوا الحفل في العالم بلغ عددهم المليارين. هذا العرس الملكي البريطاني كانت نفقاته عالية غالية وكلّها جاءت من عرق المواطن البريطاني. والمواطنون البريطانيون تقاطروا وتجمّعوا قبل الحفل بساعات، ووقفوا الساعات وهم سعداء لأنهم سيرون من قريب أو من بعيد عبر الشاشات العملاقة مراسم العرس فلا يفوتهم قدوم العروسة والعروس وكل واحد منهما في عربة، ولا يفوتهم وقوف العروسين في الكنيسة أمام الكاهن وهو يبارك العروس ويوصي العروسة أن تطيع زوجها فتجيبه بأنها تطيع الله، ولا يفوتهم ركوب العروسين في عربة ملوكية صنعت في أوائل القرن العشرين، ولا تفوتهم اللحظة الكبرى والمشهد الذي لا ينسى وهو خروج العروسين الى شرفة القصر ليتبادلا قبلة الزواج أمام العالم. هذا الشعب البريطاني حضر العرس والبسمة على شفاه كباره وصغاره، وبعضهم وبعضهنّ حمدوا الله أن أطال بهم العمر ليشاهدوا هذا العرس. هذا الشعب البريطاني شاهد العرس وتابع فقراته في ساحة كبيرة طويلة عريضة ولم يسمع العالم صوت مواطن بريطاني يرفع صوته محتجا مستنكرا ولم تتجمّع مجموعة من البريطانيين في الساحة وتعلن عن اعتصامها بالصوت العالي أو الهمس (تسقط الملوكية). كان الحفل في الساحة كالحفل في الكنيسة على غاية من الأدب والنظام وليس يعني هذا أن الشعب البريطاني كله مرحّب وموافق على النظام الملكي ففي بريطانيا مواطنون يطالبون بإلغاء النظام الملكي ويرون أن الميزانية التي ترصد للعائلة المالكة في بذخها وترفها وأفراحها وأتراحها وقصورها خسارة واستنزاف لعرق الشعب البريطاني وتبذير أموال وصرفها دون فائدة. هؤلاء الذين ينادون بإلغاء الملكية أهل حضارة ومدنية، ومن الحضارة والمدنية أن كل مقال له مقام وليس من المدينة والحضارة أن ينادوا بإلغاء الملكية في عرس يشاهده العالم. إن الذين ينادون بإلغاء الملكية هم قلة تحترم نفسها، والكثرة ترى أن الملوكية منصب شرفي له دلالة تاريخ ودلالة سياحية، ورأي الاغلبية محترم والبريطانيون شعب متحضر متعلم وهو شعب حريص كل الحرص على المحافظة على تقاليده، فلباس حرس الملكة تقليد، وعربة يجرّها عدد من الفرسان عادة وتقليد، وقصور العائلة المالكة تاريخ وعادات وتقاليد، وهي مورد من موارد السياحة، ولذلك كله كان العرس من بدايته الى الخاتم وختامه فرجة سياحية وموردا من موارد ميزانية الدولة، فالحدث كله حسابه في (الدخل والخرج) مدروس. هذا العرس الذي كان وصار في بريطانيا هل يمكن أن يكون مثله في عالمنا التونسي؟ لا يمكن أن يكون لأننا اخترنا بعد الاستقلال النظام الجمهوري ورفضنا أن تبقى فينا ملوكية وبايات وإن كان ذلك من باب الرمز والتاريخ والعادات والتقاليد (وليس هذا للتعليق). وماذا فعلنا للتاريخ؟ ماذا فعلنا لعادات وتقاليد وتاريخ البايات ليطلع الاحفاد على التاريخ؟ ماذا فعلنا لقصورهم؟ ألم نحوّل قصر الحكم في باردو الى برلمان؟ ألم نحوّل قصرا آخر الى مستشفى؟ ألم تهدّم بعض القصور في المرسى؟ ألم نترك الايدي تعبث بقصر حمام الأنف؟ أين عهد البايات في متحف باردو؟ لقد عرضوه في بعض الصور في قاعة مدّة ثم سحبوا من القاعة كل شيء، لقد عرضه السيد (شريّط) في متحفه بتوزر وكان عرضه مشوّها.. لماذا؟ وبعد عهد البايات جاء عهد بورڤيبة فهل في متحف باردو آثار بورڤيبة في التماثيل التي أقيمت له؟ (قيل والله أعلم إنها في الفوريار) أين هي ملاحم جهاده في صور؟ أين أعضاده وحركة تاريخ النضال في تونس ضد الاستعمار الفرنسي؟ لماذا لا تعرض في متحف باردو؟ أليس الانسان حركة من حركات التاريخ وهو يبقى إن حافظ على التاريخ؟ هل عرفتم أيها القراء الكرام: لماذا تدقّ طبول عرس القرن في بريطانيا ولا يمكن ان تدق طبول مثل ذلك العرس في تونس؟ ما رأيكم؟ ربحنا أم خسرنا؟ تنبيه: أنا لم أبك على البايات ولكنني أبكي على تفريطنا في الكثير من معالم لو بقيت لكانت تتحدث بصدق عن التاريخ ولكانت مواطن أعراس ثقافية. وأبقى أسأل وأحب أن أفهم. أحب أن أفهم: محمد الحبيب السلامي