تتوالى أخبار الجرائم البشعة في الصحف بأنواعها، ويتداولها القراء من كل صوب وحدب، فتزيد في تدهور مقياس الكآبة، وتبعث على التشاؤم والحيرة، ولا مشهد سياسي جدير ببعث الامل في الافق، فهذا رئيس هيئة مكافحة الفساد يتخبط دون مؤازرة، اذ يحيل الملفات على القضاء، ويترقب الاحكام التي لا تأتي في ابانها، وبطول المدة يتعقد الحل اكثر فاكثر، وتفقد القضايا ضرورية البت فيها، فيكشف الغطاء مثلا على اثني عنصر ارهابي، يتمتعون بجرايات من الدولة، وهم ينشطون في مرتفعات الجبال، ويقاتلون جيشنا وامننا، ولا نعرف عن انتماءاتهم ودواعيها الا ما يسمح به القانون، وما يتسرب من الكواليس، فتبا لحقوق الانسان ان كان يحمي الملاذ والهروب من العدالة، وهذا الوزير الاول الذي" أكد مساء الخميس 2/4/2020 ان القانون سيطبق على الجميع سواسية، وعلى كل مخالف، ولا احد على راسه ريشة... وكل مخالف مصيره السجن والعقاب" والغريب انه في لقائه الاخير يكشف عن مستوره، ويعلن عن تخليه عن اسهم في شركات تتعامل بالمليارات مع الدولة، وشهد شاهد من اهلها وكان وزيرا في حكومة الشاهد، وكتب عن هذه الجريمة في حق الشعب، مفندا ادعاءات الفخفاخ انه "صحيح أن هذه الوضعيات موجودة عند عديد الوزراء والنواب والمسؤولين، ولكننا مررنا إلى مرحلة جديدة في مستوى رئيس حكومة" واضاف ان الوزير الاول "أخطأ في الاستجابة إلى رسالة هيئة مكافحة الفساد لتسوية وضعيته في اليوم نفسه، دون الاعتذار والإفصاح عن قيمة مساهماته العديدة، وكذلك على قيمة الصفقات المبرمة مع الدولة، لتثمين ومعالجة الفضلات المنزلية في صفقات" عديدة"وواصل "أخطأ كذلك بعدم الإفصاح عما يعنيه بالضبط بالتخلي عن مساهماته في هذه المؤسسات.." لفائدة من وبأي آليات قرار التخلي عن المساهمات، هو إقرار ضمني من السيد الفخفاخ على اعترافه بالخطأ، ولكنه لم يعبر عن ذلك ولم يعتذر بل وجعل بعضا من وزرائه في موقع لا يحسدون عليه، بوجوب الدفاع عنه" وتابع "وأخطأ خاصة عندما لم يفصح عن الصفقات التي تحصلت عليها شركته، ومنها خاصة صفقتان وقعت المصادقة عليهما من طرف الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات بمبلغ جملي ب 43 مليون دينار في أفريل 2020، والسيد الفخفاخ هو شريك أساسي في المؤسسة وهو رئيس حكومة ولا يرى أي مشكل في ذلك، ولم يسمع نصح او انذار أي وزير، بل مروا سكوتا بين المسامير، خوفا من الاطاحة بهم، ورفضهم من الحكومة، او مسايرينه ومؤيدينه لانهم في نفس الوضعية - والله اعلم- وكان من الاجدر به تقديم استقالته من المنصب، والتخلي عن المسؤولية، والانشغال بمردود شركاته، ولا احد يلومه على ذلك، ولو كان للحكم راي سداد لما اختار تتبع من ثبت طورته في شبه فساد مالي واداري، مهما كانت مستوى وظيفته، حتى ولو كان من كبار المسؤولين، والاشهار به للعبرة، و في ذلك محاولة لوضع حد لأخطبوط الفساد، وتقليص اهدار المال العام، وخسائر الدولة التي تقدر بالمليارات، و أسئلة تطرح في هذا الباب فهل من مجيب؟… لماذا جاء هذا التأخير في الاعلان عن ثروة رئيس الحكومة؟ هل كان له غطاء من وزير الدولة المكلف بالفساد؟ اين مراقبة اعضاء الحكومة، من باب الشفافية، قبل تحملهم المسؤولية ؟ هل تصريحات مثل هذه تعيد الثقة في السياسي المسؤول؟ وللتذكير بعثت هيئات دستورية، اوكل اليها المراقبة، وجرد الحسابات، لكنها اتخذت مسارا مخالفا، لما جاء به الدستور، وغابت المحاسبة للمداخيل والمصاريف حسب ما يمليه القانون، واهدرت اموال الشعب دون رقيب، رغم دوائر التفقد المنصوص عليها في كل الهياكل الادارية، والمسؤولة على الرقابة بأنواعها، واكتسح الباطل كل الاماكن الحياتية للمواطن، بإدارة الرداءة وسوء التصرف واللجوء الى الحصانة بأنواعها ولما ظهرت للعيان ملفات الفساد حتى في اعلى هرم الدولة، يحق لنا التعبير عن خيبة املنا لمعرفة ظواهر ما يجري في واقع بلادنا، بكل وقاحة، وقلة ادراك للمسؤولية، من الذين تولوا الحكم ووعدونا بمصير افضل، ومعيشة ممتازه، لكن خانوا عهودهم، وكبلونا بالضرائب، وعبثوا بأموال الدولة، او اخفوا سيرتهم الذاتية، لبلوغ اهم المناصب، متنكرون لمزايا الدولة الحديثة، وللذين ضحوا بالنفس والنفيس لتنال تونس الحرية والكرامة، وللتونسيين الاحرار الحق في خيبة الامل، في معشر السياسيين الجدد، الذين يريدون ركب الحداثة، و يدعون من ذوي المشاريع الرائدة، ومن الغريب مؤازرتهم من بعض وسائل الاعلام المشكوك في حرفتها ومصداقيتها، لتبييض خطاهم، وتبرير جهلهم لتاريخ تونس وزعمائها، والذين اتخذوا من فايس بوك ملجا لنفاقهم، و مطية لسوء ادراكهم، ولمناهضة الدمار الفكري التي اصيبت به البلاد في مستوى نخبتها، ان مازال يقرأ لها حساب، ارجوهم كمثلي، ولو لبعض ساعات التفرغ الى قراءة كتاب صالح الحاجة "20 تمرة جريدية " فيه من التسلية وراحة الضمير ما يشغل البال من امثال واقوال لاتزال كلها متداولة في عائلاتنا ومجتمعاتنا بكل عفوية ولطف، والكاتب مهنته الصحافة اداها على الوجه الاكمل، بكل الموازين وشهد له بها في كل الاوساط، من مقالاته في عمود صحفي خصيصا له، في جريدة الصباح، الى تجربته الرائدة في تأسيسه جريدة "الصريح" الورقية التي كانت في اول الامر اسبوعية، ثم حوّلها الى يومية، واخذت رواجا لا مثيل له بين القراء، واخيرا تفاديا للازمات المتواصلة للصحافة الورقية، وفيها دفع لمن يريد الكتابة او تدوين التاريخ او الدفاع عن افكار بحرية وبدون رقابة، منهجه الصراحة والبحث عن المعلومة الصحيحة، لأنه يعتبرها حق المواطن المشروع، ولما اصبح هدف وسائل الاعلام، الربح بمضاعفة عدد المشاهدين، جريا وراء مضاعفة الإعلانات الإشهارية، وما تدره من اموال على الازلام، واضمحل دور الاحتراف، وجرد من مهامه الاصلية، وهي البحث عن المعلومة، والتثبت في حقيقتها، والتشبث في ايصالها بكل حرفية، وبكل موضوعية، الى المستمع او القارئ، وبفقدان ذلك اختار اللجوء الى الخط الافتراضي، تماشيا مع روح العصر: "الصريح اون لاين" محتفظا بالخط التحريري الذي بقي المرجعية التي امتاز بها صاحب الحكايات، وهي واجب التحفظ والموضوعية، ونقل الخبر بعد التثبت فيه، فأصبحت اليوم الصريح أون لاين دون منازع فضاء المشاركة والنقد البناء، ولم يكتف بذلك وقلمه سيال وهو «جريدي» حتى النخاخ، ابى الا ان يتحفنا بالنكتة المطابقة على الوضع الحالي، يرويها باللغة الدارجة التي يدرك اصولها عن ظهر قلب، ولا احد ينازعه في كتابتها، والتذوق في دقة معانيها، وانصهارها في النص تزيده رونقا و ابداعا، فالحكايات عبارة عن لوحات منبثقة من واقع معاش، يزيدها الكاتب احيانا من ثراء لغته، وعمق تصوره، فهذه "جدتي تحب تخرنين الجريدية" وهذا "حمة الجريدي لم يحصل على "تسكرت فقر"، وهذا "المولدي الجريدي يطلب شهادة وفاء لنفسه"، وهذه "خالتي كرموصة الجريدية... لولا "الفايس بوك" لانتحرت"... وتلك دواليك 21 نكتة يرويها الكاتب، واعتقد انها تسلط الاضواء على تراث في انهيار، من أول وهلة، تختلف الكتابة تماما من حيث المضمون والشكل واللغة والاقتضاب عن ما عهدناه وتعودنا عليه، لان صالح الحاجّة عُرف في الصحافة المكتوبة، و ابدع في روايته "حرقة الى الطليان " الذي صدر اخيرا عن ديار النشر والتوزيع، ويشهد له فيه بالإبداع في الكتابة، ويطل علينا بحكايات "الجريدية" ب98 صفحة عن ديار النشر والتوزيع، كلها درر ذكرنا بعناوين بعضها، تاركين للقارئ القراءة الممتعة لكلها، ونقول في خاتمة اللمحة لصالح الحاجة هل من مزيد؟ لأنها تدفعنا الى الامل، و تبعدنا ولو لحين عن الغوغاء السياسية المبتذلة، اذ بلادنا اصبحت، بكل اسى واسف، بلاد العجائب والغرائب، تسبح في المجهول. هوامش رجب حاجي : دكتور في الاحصائيات- دكتور في الاقتصاد- شهادة تكوين مستمر بجامعة هارفارد الأمريكية - ألف أربع كتب في علم الاحصاء في المستوى الجامعي- اول رئيس بلدية ملولش- شغل رئيس ديوان المرحوم محمد الصياح عشرات السنين و رئيس ديوان وزيرة الصحة ومكلف بمهمة في اختصاصاته لدى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر اطال الله عمره الى غيرها من المسؤوليات الوطنية - وسام الاستقلال - وسام الجمهورية