تعيش البلاد منذ أسابيع على وقع أزمة سياسية خانقة وحادة أربكت كل المشهد وأضرت كثيرا بالعمل الحكومي و بصورة الائتلاف الحاكم الذي يعيش هو بدوره أزمة فقدان الثقة بين مكوناته سببها شبهة تضارب المصالح التي تلاحق رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ كان وراءها الوثائق الرسمية التي كشف عنها النائب بالبرلمان ياسين العياري والتي تظهر امتلاك رئيس الحكومة لأسهم في خمس شركات لها علاقة مهنية مع الدولة البعض منها فاز بصفقات بمبالغ كبرى مع وزارات ومؤسسات في الدولة. وقد زاد من تعميق هذه الأزمة تصريحات شوقي الطبيب رئيس هيأة مكافحة الفساد أمام لجنة الإصلاح الإداري بالبرلمان والتي أكد فيها وجود شبهة تضارب للمصالح وقع فيها رئيس الحكومة من خلال جمع الفخفاخ بين منصبه السياسي كرئيس للحكومة ونشاطه التجاري في شركات تجارية لها ارتباط مهني مع الدولة وهي كلها معلومات يقول شوقي الطبيب أن الفخفاخ قد أخفاها عن الهيأة التي لا تعلم الكثير من التفاصيل عن مساهماته في خمس شركات وعن الاجراءات التي تمت خلال عروض الصفقات التي حصلت بين الدولة وهذه الشركات. وقد ألقت هذه الأزمة السياسية بظلالها على الوضع الحكومي الذي يعيش حالة من الإرباك وحالة من التشويش جعلت مكوناته في حرج لاتخاذ الموقف السليم من قضية تضارب المصالح خاصة وأن الملف المقدم ضد الفخفاخ ثقيل وبه معطيات واضحة تفيد ثبوت تهمة تضارب المصالح الأمر الذي جعل البعض يطالب بضرورة إيجاد مخرج سريع وعدم إضاعة الوقت وانتظار نتائج التحقيق الإداري الذي شرع فيه محمد عبو ونتائج التحقيقات التي يقوم بها القطب المالي والقضائي المتعهد بالقضية ودون ترقب ما سيسفر عنه تحقيق اللجنة البرلمانية التي تشكلت في الغرض فالملف بالنسبة إلى الكثير من العارفين والمطلعين واضح وجلي ويحتوي على أدلة تدين رئيس الحكومة ما يجعل من الأجدى والأحوط أن يتم التوصل إلى مخرج سياسي سريع قد يكون عند رئيس الجمهورية الذي يطالبه الكثير من المراقبين بالتدخل و عدم البقاء عند الموقف السلبي مكتفيا بالمشاهدة والحال أن إلياس الفخفاخ هو شخصية محسوبة عليه وحكومته توصف بكونها حكومة الشخصية الأقدر التي يعينها رئيس الجمهورية حسب نص الدستور مما يجعل مسؤوليته واضحة في هذه الأزمة ويجعل تدخله ضروريا. ومن بين الجهات التي خرجت عن صمتها وطالبت بتحرك سريع لتطويق الأزمة الاتحاد العام التونسي للشغل الذي اعتبر أمينه العام نور الدين الطبوبي أن انتظارات الوضع الاجتماعي وصعوبات المالية العمومية وتأرجح الوضع الاقتصادي هي كلها عوامل تشير إلى أن الوضع حرج جدا ولا يسمح للأزمة الحكومية أن تتواصل أكثر خاصة وأن البعض يستغلها ويوظفها لمزيد إرباك الوضع العام وفي هذا السياق يرى الطبوبي أن الحل الوحيد والأفضل لتونس وللتونسيين والسياسيين هو الذهاب إلى إجراء انتخابات مبكرة وأن الحل الأسلم يكمن في حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة وأن النواب إن كانت لهم إرادة حقيقية للإصلاح فإنه عليهم أن يعيدوا الأمانة إلى أصحابها في إشارة إلى ضرورة الرجوع الي الشعب والاحتكام إلى إرادته من خلال إجراء انتخابات جديدة تفرز تشكيلة برلمانية جديدة تنبثق عنها حكومة جديدة وهذا يتطلب حسب الطبوبي الاسراع بتعديل القانون الانتخابي وإرساء المحكمة الدستورية. المشكل في هذا المقترح وهذه الدعوة لحل البرلمان والذهاب إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة وسابقة لأوانها في كونها مغامرة مكلفة في هذا الظرف السياسي والاجتماعي الذي يتطلب قدرا من الهدوء والاستقرار فالوضع العام بالبلاد من جميع نواحيه لا يتطلب مزبدا من الهزات ومزيدا من الارباك والذهاب إلى انتخابات جديدة في هذا التوقيت عملية مكلفة سياسيا وماليا واجتماعيا وقد لا تعطي نتائج أفضل مما هو عليه الحال اليوم . والمشكل الآخر في كون هذا التصريح من الطبوبي قد فهم منه اصطفافا تكتيكيا من اتحاد الشغل وراء رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي ما فتئ يلوح مرارا وكلما سئل عن رأيه في المشهد السياسي بحل البرلمان واعتباره هو المتسبب في تردي الوضع السياسي ويحمل نوابه ما آل إليه حال البلاد وهي وضعية لم نتعود عليها من الاتحاد الذي يبحث اليوم عن سند قوي أمام التحديات التي تواجهه بعد أن فقد سند الأحزاب القريبة منه أيديولوجيا وبعد غياب الصوت اليساري في الشارع وداخل قبة البرلمان لذلك نراه اليوم يتماهى مع موقف رئيس الجمهورية ويذهب إلى تبني حل هو في نظر المراقبين مغامرة من الاتحاد الذي يدعو اليوم إلى حل البرلمان لإنهاء أزمة الحكومة التي وراءها شبهة تضارب مصالح تلاحق رئيس الحكومة.