كم بقى في عمر حكومة الفخفاخ بعد أزمة تضارب المصالح التي اتهم بها نتيجة اكتشاف امتلاكه لأسهم في خمس شركات واحدة منها لها نشاط مباشر مع وزارة البيئة وامتازت بصفقة معها في موضوع معالجة النفايات بمبلغ قدره 44 مليون دينار تونسي؟ وهل تنجح ترتيبات ومناورات الساعات الأخيرة لإنقاذ حكومة الرئيس قيس سعيد الذي اختار إلياس الفخفاخ المحسوب عليه الشخصية الأجدر والأقدر والأصلح لتولي منصب رئاسة الحكومة بعد أن أوشك رحيلها وباتت أيامها معدودة نتيجة فضيحة تضارب المصالح؟ وهل تقدر المفاهمات التي تجري في الخفاء والعلن لتفادي مخلفات أزمة تضارب المصالح المرشحة أن تعصف بكل المشهد السياسي وتهدم كل البناء الذي راهن عليه ساكن قرطاج بعد تعيينه إلياس الفخفاخ على رأس الحكومة وبعد مفاوضات عسيرة وصعبة؟ هذه بعض الأسئلة المحيرة التي تتداول اليوم في حديث الشارع التونسي وتربك السياسيين وتخيف حلفاء القصبة والائتلاف الحكومي وهي أسئلة فرضتها أزمة تضارب المصالح التي زادتها تصريحات شوقي الطبيب رئيس هيئة مكافحة الفساد أمام لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام بمجلس نواب الشعب تأزما ووصفت بالصادمة ومثلت منعرجا مؤثرا في الحسم في موضوع بقاء أو رحيل الفخفاخ من الحكومة. إن استمرار إلياس الفخفاخ على رأس الحكومة بعد كل الذي حصل في الأيام الأخيرة ومواصلته العمل الحكومي رغم كل التهم الموجهة إليه في علاقة بما اعتبر تضاربا للمصالح نتيجة جمعه بين وظيفته السياسية على رأس السلطة التنفيذية وبين ما يقوم به من نشاط تجاري في عدد من الشركات منها ما له علاقة مباشرة مع الدولة ورفضه التنحي عن الحكم لحل الأزمة العاصفة وتخييره البقاء في السلطة رغم ثقل الملف الذي يواجهه وجسامة التهم التي تنتظره قد اعتبرت عملية انتحار سياسي وخيارا عبثيا نتيجته الإساءة المباشرة لشخص الفخفاخ وهدم لمسيرته السياسية ونتيجته كذلك تخلي الحزام السياسي عنه وبقائه وحيدا بعد أن يجد نفسه من دون دعم ولا سند سياسي وشعبي. المهم في كل هذا الموضوع الذي جاء في غير وقته وفي ظرف غير موات بالمرة وبالبلاد تعيش على وقع إفلاس غير معلن وإكراهات كثيرة تكبلها أخطرها مديونية مستفحلة وعجز الحكومة عن تسديد نفقاتها العمومية وتأزم الوضع الاجتماعي نتيجة أزمة الكورونا التي خلفت استفحالا في البطالة وزيادة في عدد العاطلين عن العمل.. المهم أن أمام رئيس الحكومة خيارات ثلاث: الأول أن يستقيل إلياس الفخفاخ من تلقاء نفسه وفي هذه الحالة تبقى العهدة بيد ساكن قرطاج ليعيد توزيع الأوراق من جديد وتشكيل المشهد السياسي بطريقته بعد أن يبقي على احتفاظه بتعيين شخصية أخرى لتكون رئيسا للحكومة خلفا للفخفاخ. الخيار الثاني أن يرفض إلياس الفخفاخ تقديم استقالته ويعتبر أن ما أثير ضده من تهمة تضارب المصالح غير جدية ولا ترتقي أن تكون سببا وجيها للتنحي وفي هذه الحالة فإن العهدة تخرج من يد قيس سعيد لتعود من جديد إلى مجلس نواب الشعب ويقوم الحزب الأغلبي فيه تعيين شخصية جديرة بثقة المجلس لتتولى منصب رئاسة الحكومة ومن ثمة تعود المبادرة من جديد إلى مجلس نواب الشعب لتشكيل المشهد السياسي. الخيار الثالث أن يستمر الفخفاخ في منصبه بعد مفاهمات وترتيبات مع الأحزاب المؤثرة في المشهد السياسي والأحزاب الوازنة فيه وفي هذه الحالة سوف يضطر بالضرورة إلى تقديم تنازلات موجعة تجعله تحت رعاية القوتين الكبيرتين في البلاد حركة النهضة واتحاد الشغل وإذا ما اختار الفخفاخ الحل الثالث فإن حكومته قد تبقى وتستمر ولكن بالتأكيد لن تضفر بأي دعم لا شعبي ولا سياسي من خارج دائرة المهندسين لبقائه بعد أن يكون قد فقد ثقة الناس وخسر مصداقيته لدى الشعب وفي هذه الوضعية لا ندري كيف يمكن لحكومة أن تستمر وهي فاقدة للثقة ودعم الجماهير لها؟ وكيف يمكن لحكومة هذا حالها أن تقنع الناس بجدية مقاومتها للفساد ومواصلتها الاصلاح. قد يبقى الياس الفخفاخ على رأس الحكومة بالرغم من كل الذي أثير حوله بعد توافقات تجريها الأحزاب و تقدم تبريرات يقتنع بها البعض مثل الخوف من الذهاب نحو المجهول وتفادي المغامرة العبثية في هذا الظرف الذي تعيشه البلاد ولكن بالتأكيد لن يكون بقاءه مريحا ومقنعا وإنما سيضل بقاء فاقدا للمصداقية ومن دون سند من الطبقة السياسية الواسعة وبعد أن يكون قد أصاب القوى الوطنية الإصلاحية والمقاومة للفساد في المقتل وتسبب في توجيه طعنة حادة لها قضت على كل الآمال والانتضارات . قد يبقى إلياس الفخفاخ في الحكومة بعد أن يكون قد خدم المنظومة القديمة التي لم تنسى جراحتها وخسائرها و قدم لها خدمة مجانية لتزيد تعميق مظاهر فشل وإخفاقات منظومة الثورة وبعد أن يكون قد أدخل الجميع في نفق مظلم بطريقة عبثية بلهاء و مكن المتربصين بقوى الثورة من سلاح ليجهضوا به على ما بقى من حلم الحالمين بأن الغد سيكون أفضل من دون منظومة بن علي. قد يبقى الفخفاح رئسا للحكومة بعد أن يكون بأخطائه القاتلة قد منح قوى الردة والمارقين على الثورة الفرصة من جديد لإعادة ترتيب المشهد السياسي بشروطهم وإعادة التفاوض السياسي مع رموز المنظومة القديمة من موقع المنهزم والضعيف.