تمر بنا كل عام اعياد وطنية ثلاثة رسمية الا وهي عيد الاستقلال وعيد الشهداء وعيد الجمهورية ولما كان من مظاهر ومن سنن الاعياد ان يهب وان يستعد لها الناس تمام الاستعداد وان يخرجوا تلقائيا للاحتفال بها مظهرين كل مظاهر وعلامات الفرح والبهجة والسرور في كل بيت وفي كل حارة وفي كل زقاق وفي كل شارع وفي كل انحاء البلاد الا ان الملاحظ في بلادنا التونسية منذ سنوات وبعيد انتصاب دولة بورقيبة بالذات في منصب قيادة وسلطة وحكم هذه البلاد ان احتفالات التونسيين بهذه الأعياد لم يكن تلقائيا ولا صادقا ولا عفويا بل يكاد يكون الزاميا واضطراريا ومجرد حركات وكلمات اصطناعية شكلية لارضاء بورقيبة واتقاء بطشه الذي عرف به والذي ساد به وحكم البلاد ذلك ان معظم التونسيين والحق يقال لم ينالوا من سياسة بورقيبة وفي زمن سلطته ما كانوا يعتقدون وما كانوا يتصورون وما كانوا ينتظرون وما كانوا به يحلمون فبورقيبة قد اغدق على حاشيته وانصاره واتباعه ما يشتهون ولكنه تسلط على معارضيه ومنتقديه وبطش بهم بما يعلم الناس وبما لم يكونوا يعلمون ثم انه قضى حياته في منصب الرئاسة باسم رئيس البلاد ولكنه كان يعيش تقريبا عيشة من سبقوه من الملوك ومن السلاطين ومن البايات ولم يكن احد من اغلبية الشعب المنكوب المغلوب الزوالي قادرا على معارضته و محاسبته اومساءلته في اي شان من الشؤون وخاصة على ما كان يخصص له في ميزانية الدولة من المصاريف ومن النفقات ويكفينا ان نثبت ذلك تاريخيا بالنفقات الخيالية التي كانت تنفق في الاحتفالات السنوية التي كانت تقام في ذكرى ميلاد بورقيبة اياما بعدد ما في البلاد من الولايات التي كانت تنقل تلفزيا ويشاهدها التونسيون وفيهم من لا يجدون ما يلبسون او ما ياكلون او مابه يقضون ما يلزمهم وما يشغلهم وما يهمهم من الحاجات ثم ان وسائل الاعلام السمعية والبصرية والمكتوبة كانت تجعل هذه الاعياد مناسبة مواتية محبوبة ومطلوبة للتسابق والتنافس في تمجيد وفي مدح بورقيبة دون ذكر غيره من الشخصيات التي ساهمت معه ومثله في الكفاح ضد الاستعمار حتى سئم الناس سماع تلك الاسطوانة ومضغ تلك اللوبانة آناء الليل واطراف النهار...اما اكبر شاهد على صدق ما نقول وما يدهش حقا القلوب وما يذهل العقول هو ان التونسيين جعلوا واتخذوا من يوم القضاء على حكم بورقيبة بعد طول سماع وقراءة مدحه وتمجيده طويلا سنينا بكرة وعشيا عيدا وطنيا والحقوه بعيد الاستقلال وعيد والشهداء وعيد الجمهورية... ولكن هل تغير حال الاحتفالات بهذه الأعياد بعد رحيل زمن بورقيبة ام حلت بنا وصدمتنا مصيبة اخرى عجيبة غريبة؟ نقول دون اطالة ان الأمر زاد عجبا على عجب وغرابة على غرابة في هذه الاحتفالات اذ اصبح المحتفلون المرتزقة و الماجورون لا يذكرون نضالات بورقيبة الا قليلا في هذه المناسبات ليمروا سريعا وفي لمح البصر الى المدح والتطبيل والرقص و التزمير والتبندير لخليفته ابن علي وجعلوه بقدرة قادر وبين عشية وضحاها بطل الأبطال وافضل الرجال في تاريخ تونس كلها بل ليس كمثله ولا يضاهيه احد في انقاذها من التيه والضلال ومن الوحوش والسباع وكل مخاطر الأدغال والأغوال والاهوال ... أما بعد ثورة الربيع والياسمين فقد اصبح احتفال بعض الأحزاب السياسية بهذه الأعياد الوطنية مجالا مناسبا لتسجيل النقاط على حساب الخصوم والمنافسين وليس من باب الوطنية الصادقة كما يحاول اقناعنا الكثير من الخبثاء ومن المخادعين ولعل اكبر دليل وحجة وبرهان على ما نقول ان هؤلاء الساسة الذين يجلسون اليوم على اريكة السلطة والقيادة قد اضاعوا ثروة ووقت البلاد البلاد في استعراض ما في جعابهم من اساليب الخصام والنزال و الصراع والنزاع امام التونسيين ولم نعد نعلم حقا من منهم على حق ومن منهم على باطل ومن منهم وطني ومن منهم مخادع ومنافق ولا شك ان اشد ما تبتلى وما تصاب به الشعوب في العالمين هو اضاعة الدليل وفقدان البوصلة للفصل والحسم بين الشك وبين اليقين فهل بمثل هذا الحال التي نحن فيها يحل ويحلو لنا الاحتفال حقا بعيد الجمهورية ؟ اجيبونا يا اهل الحل ويا اهل العقد ويا اهل الشورى ويا اهل الفتوى؟ وفي انتظار اجابتكم التي لا نظن انها ستاتينا بالاطمئنان ولا بالسلوى فاننا سنظل نقول وسنظل نردد في الجهر وفي النجوى(ما ينقص المشنوق الا ان ياكل الحلوى)...