مع قدوم الرئيس ترامب للبيت الأبيض منذ أربع سنوات وتعاقب الأزمات الدولية كانت بنود الدستور الأمريكي المؤسس للولايات المتحدة هي مثار الجدل والتفاسير الأكثر في أمريكا وفي العالم لأن كل ما يتعلق بأمريكا يصبح بالضرورة شأنا دوليا للأسباب التي تعرفونها. ولاحظنا أن الرئيس ترامب نفسه شارك في هذا الجدل خاصة ضد السيدة (بيلوسي) رئيسة الكونغرس التي كأنما أقسمت على عزله من الحكم قبل نوفمبر 2020! ولعلمكم فإن الدستور الامريكي هو النص الذي تضمن بنوده تلك التعادلية المطلوبة لإدارة و تواصل الحياة السياسية والادارية والقضائية في الولاياتالمتحدةالامريكية وهو المرجع الاساسي لكل اشكالية تطرأ هنا وهناك... وما اكثرها على مر قرنين ونصف من عمر المؤسسات الامريكية فالدستور الامريكي هو الذي أعطى على سبيل المثال صلاحيات استثنائية للرئيس روزفلت المنتخب للمرة الثالثة بصورة استثنائية يوم 7 نوفمبر 1940 للدخول في معمعة الحرب العالمية الثانية تم تدريجيا حسم الحرب لصالح الحلفاء باستعمال القنبلة النووية لأول وربما آخر مرة في تاريخ الانسانية على مدينتي: هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين. ثم ان الدستور الامريكي هو الذي قدم لأمريكا رجل الحرب ثم الحرب الباردة الجنرال دوايت ايزنهاور الذي استقال في مارس 1952 من منصبه كقائد عام للقوات الاطلسية لخوض الانتخابات وجاء برجلين معه كان لهما تأثير حاسم على الحياة السياسية الامريكية لغاية السبعينيات وهما نائب الرئيس (ريتشارد نيكسون) ووزير الخارجية (جون فوستر دالاس) الذي كان صاحب ما يسمى في علم السياسة (عقيدة فوستر دالاس) وهي تلك المسماة Containment اي احتواء المد الشيوعي بدعم زعماء عسكريين في العالم الثالث يوثقون ايدي شعوبهم ويكممون أفواههم. والدستور الامريكي هو الذي سمح لنفس الرئيس ايزنهاور بأخذ موقف من العدوان الثلاثي على مصر 29 30 اكتوبر 1956 حين اتفقت فرنسا وبريطانيا واسرائيل على مهاجمة مصر انتقاما من الرئيس الراحل المرحوم جمال عبد الناصر على تأميمه قناة السويس حيث ان الدستور الامريكي يحدد السياسة الخارجية الامريكية في خطوطها الرئيسة عندما يتعلق بموقف ازاء حلفاء مثل فرنسا وبريطانيا اللتين تصرفتا دون استشارة واشنطن وكاد العدوان الثلاثي ان يؤدي الى صدام بين الاتحاد السوفييتي وحلف شمال الاطلسي. والدستور الامريكي هو نفسه الذي تعامل مع ازمة كوبا حين هددت واشنطن في حصارها لكوبا (كاسترو) بإشعال فتيل حرب نووية حيث اوضح الدستور حدود صلاحيات الرئيس (جون كيندي) ومدى نفاذ الرأي الذي ينتهي اليه قادة الاركان وكذلك مدى فاعلية القرار الذي يتخذه اعضاء الكونجرس بالأغلبية في وضع متأزم منذر بالحرب كذلك الذي عاشته امريكا في بداية حصار كوبا وعندما حلت معضلة (ووترغيت) يوم 17 جوان 1973 بدأت عجلة الدستور الامريكي تدور لتنتهي بسحق الرئيس نيكسون امام لجنة تحقيق عينها الكونجرس وايضا عندما اندلعت فضيحة (مونيكا جيت) وترنح الرئيس كلينتون ثم استوى على عرش البيت الابيض ببعض الخدوش والكدمات حيث كان (ميكانزم) الدستور الامريكي مزيتا جاهزا لمواجهة الموقف. ولكن.. مع تصدي القانون الدستوري الامريكي لكل هذه الازمات فإنه ظل عاجزا امام تعفن حرب فيتنام وعاجزا امام عجز امريكا في الشرق الاوسط وعاجزا امام ضيق الافق بعد حرب الخليج وعاجزا منذ اندلاع ثورة تحرير فلسطين التي بدأت منذ 28 سبتمبر 2000 (الإنتفاضة الأولى) وفتح الشعب الامريكي عيونه كل يوم على الاطفال الشهداء وعلى سقوط الخرافة الاسرائيلية في مستنقع العنف الصهيوني الأعمى ظلت الآلية الدستورية الامريكية معطلة. ونصل الى ازمة الدستور الراهنة حيث وضعت الاحداث وملابساتها بنود الدستور في موقف صعب بل في محنة تحدث لأول مرة في تاريخ الانتخابات الامريكية ولهذه المحنة وجهان: الاول تساوي نصاب المرشحين: (ترامب و جو بايدن) مع تقدم طفيف لبايدن ثم لترامب بالتداول حسب وكالات استطلاعات الرأي بصورة لم تسجلها الانتخابات الامريكية خلال بلوغ خمسة واربعين رئيسا عتبة المكتب البيضاوي على الاطلاق: بضعة مئات الاف من الاصوات تتحرك في اتجاهين متعاكسين تفصل فيما يبدو بين الرجلين مع ترافق هذا التساوي مع تدخل اللوبيات المعروفة التقليدية على تغيير قواعد اللعبة فاللوبي اليهودي كان حاضرا منذ إعلان صفقة القرن و قبلها إعلان القدس عاصمة للدولة العبرية لترجيح كفة ولي نعمة اليمين الصهيوني ولوبي شركات النفط كان وراء ترامب ولوبي الصناعة الحربية هو الذي ربح منذ 2016 لكن الخلاصة هي ان القانون الدستوري الامريكي يحتاج الى اعادة نظر على ضوء المتغيرات الامريكية والعالمية حتى لا تتكرر هذه الازمات في المستقبل وتصبح مهددة للتوازنات التي صنعت الديمقراطية الامريكية والقوة الامريكية بل وكرست انفرادها بالتفوق الاقتصادي والعسكري والاستراتيجي قبل ظهور المنافس الصيني المستقوي بالاقتصاد و الصناعة و التجارة في عالم مهدد بالتبعية والقهر والذوبان فالقانون الدستوري الامريكي اذا عجز عن حل أزمة (كورونا) سيصبح هو الآخر أداة في أيد خفية أيدي الماسكين الحقيقيين بالسلطة الذين لا يجلسون لا على كراسي في الكونجرس ولا في البيت الابيض بل يحتلون مكاتب الشركات العملاقة العابرة للقارات في ناطحات سحاب منهاتن.. وقد سماها المفكر الامريكي ناحوم شومسكي (حكومة الاشباح الجديدة)! و سماها المفكر الأمريكي ( ألفين توفلر) حكومة الظل!