أصبح اليوم إستخراج مجرّد مضمون ولادة يتطلّب صبرَ أيّوب و لياقةً بدنية خارقة لتحمّل تعب الوقوف في صفّ طويل عريض تحت أشعّة الشّمس الحارقة أو الأمطار الهاطلة و أنت تلهث و تتعرّق و تتنفّس بصعوبة بسبب تلك الكمّامات الواقية الخانقة.... وبعد ساعات من كلّ تلك العذابات ، يأتي دورك ، أخيرا، فتشعر و كأنّك حقّقت نصرا عظيما أو رُدّت لك الحياة بعد كلّ تلك الويلات ، فتغمرك السّعادة لحظة تسلّمك مضمون الولادة ... لكن هيهات ثمّ هيهات... إذ يجب عليك الوقوف ، من جديد ، في صفّ جديد ، أمام شبّاك دفع الصّروف الذي يسلّمك صرّافه وصلا تعود به من حيث بدأت لتتسلّم ذاك المضمون المحنون ... لا تظنّوا أنّ الأمر قد إنتهى عند هذا الحدّ ، بل وجب عليك الوقوف مرّة أخيرة ، و الحمد لله ، في صفّ آخر أمام شبّاك و راءه المسؤول على ختم ورقتك العزيزة المعزّزة ، بطابعه الخاصّ ثمّ بتوقيعه المصادق على إتمام هذه الرّحلة أو لنقل المغامرة الورقيّة المارطونية... وهنا وجب قول كلمة حقّ في القائمين و القائمات بهذه الخدمات الضّرورية في حياتنا اليومية و شكرهم على صبرهم و طول نفسهم و قيامهم بواجبهم و تحمّلهم مشقّة هذه الوظيفة بالذّات المشحونة بمخلّفات الإزدحام و ما ينجرّ عنه في بعض الحالات من شراسةٍ و صراخ وإنتقادات و إنفلاتات من طرف المواطنين المتشنّجين و المواطنات..... يحدث كلّ ذلك و أكثر و نحن في عصر التكنولوجيا المتطوّرة و التّواصل عن بعد و إنجاز جميع التّعاملات و الخدمات عبر شبكات الأنترنات