أمام مواصلة فيروس كورونا انتشاره وتمدده في الكثير من المدن والمناطق التونسية وهو المعطى الذي بات معروفا ولا يختلف فيه اثنان، وأظهرته نتائج التحاليل المخبرية التي أجريت على عينات كثيرة تم الاشتباه في حملها للفيروس حيث أكدت النشرات الصحية التي تصدر يوميا عن وزارة الصحة الزيادة المتواصلة في عدد المصابين. وأمام الخشية المؤكدة من عودة الوباء بقوة من خلال موجة جديدة باتت تهدد حياة الشعب في صحته وخاصة فئة كبار السن فاقدي المناعة، بدأت صيحات الفزع تطلق من جهات كثيرة منبهة الدولة والحكومة من مغبة التساهل في معالجة هذه الموجة الجديدة من انتشار الفيروس ومن التردد في اتخاذ القرار السياسي المطلوب لتجنيب البلاد أزمة صحية قد لا نقدر أن نسيطر عليها. أمام هذا الوضع الوبائي الذي بات عليه حال البلاد والخوف من أن تنفلت الأمور وتفقد الدولة السيطرة على الفيروس خاصة بعد العودة المدرسية والجامعية والتي تتطلب إجراءات صارمة حتى يتم التحكم في العدوى التي اتضح أن مصدرها محلي أكثر منه حالات وافدة بما يجعل من عملية محاصرة الوباء أمرا مرهقا فإن التفكير داخل جهاز الدولة يجد نفسه في وضعية حرجة لاتخاذ القرار السياسي المناسب على اعتبار أن العلم والطب لا يقدمان حلولا قطعية واحدة وأن المختصين في علم الاوبئة ليسوا على رأي واحد في التعاطي مع هذه الجائحة الأمر الذي حصل في الآونة الأخيرة حيث ظهر خلاف طبي وعلمي في اختيار الطريقة العلمية الأسلم في التوقي من هذا الوباء وإيقاف انتشاره ريثما يتم التوصل إلى لقاح ينهى الأزمة. لقد ظهر في الآونة الأخيرة رأيان علميان : الأول يرى أنه إذا تواصل الأمر على ما هو عليه اليوم من ارتفاع عدد الاصابات بالعدوى ومن عدم اكتراث الناس بتطبيق الاجراءات اللازمة للتوقي من العدوى ومواصلة اتباع سلوك اللامبالاة فإن الحل الأمثل يكمن في الاتفاق على تطبيق الحجر الصحي الشامل لفترة لا تتعدى الشهر على أقصى تقدير وإغلاق البلاد لفترة قصيرة حتى نتمكن من السيطرة على الحالات الموجودة ونتمكن من مداواة المرضى والاعتناء بالمستشفيات فالوضع الحالي يتطلب أن نتخذ فسحة نرتب فيها الأمور ومهلة من الزمن حتى نعيد التفكير في الإجراءات والكيفية التي علينا اتخاذها حتى نجنب المجتمع أكبر ضرر ممكن. الرأي العلمي الثاني ينطلق من تجربة الحجر الصحي الشامل وإستراتيجية الإغلاق الكامل للمجتمع التي جربتها الدولة والتي وإن جنبت الشعب مخاطر صحية محققة وقللت من عدد الإصابات ومن عدد الوفيات إلا أنها قد أضرت بالنسيج الاقتصادي وتسببت في حصول أضرار بليغة بالعمل وبمواطن الشغل بعد أن أغلقت الكثير من المؤسسات والمصانع أبوابها وفقد الكثير من العمال والموظفين وظائفهم فانطلاقا من هذه المعطيات يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أنه لا مجال إلى التفكير مرة أخرى في إغلاق المجتمع ولا معنى من تطبيق الحجر الصحي الشامل من جديد لكلفته الباهظة على الاقتصاد وبالتالي فإن الرأي العلمي السليم والذي على السياسي أن يتبعه ويأخذ به هو أن يقر بأننا قد دخلنا مرحلة التعايش مع الوباء وبأن الوضع يحتم أن نعيش حياتنا بطريقة طبيعية وأن نمارس أعمالنا وأنشطتنا بطريقة عادية مع الالتزام بتطبيق التعليمات الصحية من وضع الكمامات والتباعد وغسل الأيدي وتجنب الأماكن المغلقة والمكتظة بما يعني أنه علينا من الآن فصاعدا أن ننسى موضوع الوباء وأن نتعايش معه ونقبله في حياتنا كمرض من الأمراض التي يتعرض لها الانسان ولسان حال اصحاب هذا الرأي يقول بكل وضوح وبلغة صريحة "علينا أن نتعايش مع الفيروس حتى لا يهزمنا ومن يمرض فليمرض فإما أن يشفى وإما أن يموت والموت حق على الجميع ولكل أجل كتاب"…