أجرى راديو " أجيال " الذي يذاع من رام الله بفلسطين المحتلة حوارا مع الكاتب التونسي حاتم النفطي المقيم بفرنسا كان محوره التعرف على التجربة الأوروبية في التعاطي مع جائحة فيروس كورونا وتحديدا الحالة الفرنسية وما تم اتخاذه من إجراءات وقائية وما تم وضعه من سياسات وبائية للخروج من هذه الأزمة التي عصفت بكل العالم بأقل أضرار ممكنة خاصة بعد أن اتضح أن العالم بأسره في ورطة علمية وفي حالة عجز عن التوصل في المنظور القريب إلى حل علمي يكون قادرا على ايقاف انتشار الوباء والتقليل من عدد الإصابات بالعدوى ويعيد كوكب الأرض إلى سالف عهده. في هذا الحوار تحدث حاتم النفطي عن السياسات الوبائية في العالم وعن الحلول الممكنة لإنهاء فترة الحجر الصحي و التخلي عن إجراء الإغلاق الشامل الذي فرضته المنظمة العالمية للصحة على الشعوب فذكر بأن الرئيس الفرنسي " إمانويل ماكرون " منذ اندلاع الأزمة والتأكد من أن فرنسا تتعرض إلى أزمة صحية قاتلة قد أحاط به هيئة علمية استشارية تتكون من اخصائيين نفسانيين وأطباء مختصين يعتمد عليها في أخذ القرار و رسم السياسة الوبائية الملائمة ولكن المشكلة التي وقفنا عليها وجعلت ثقة الشعب الفرنسي في السياسيين تتقلص هي أن مواقف هذه الهيئة وتصريحات أعضائها كانت غير ثابتة وهي متضاربة و متناقضة من يوم إلى آخر. إن المشكل الذي وقفنا عليه مع تصريحات الهيئة العلمية أننا لا نعلم الكثير عن حقيقة هذا الفيروس وليس لدينا ما يكفي من المعلومات حوله واليوم هناك اختلاف حول أسباب ظهوره وكيفية تشكله وتحوله لقد قيل لنا في البداية بأن الشخص الذي يتعرض إلى الإصابة بعدوى هذا الفيروس يتعافى ويكتسب مناعة تدوم بعض الأشهر وقد تصل إلى حد السنة ولكن اكتشفنا من خلال المعلومات الواردة من بلد الصين أن العديد من الأفراد الذين أصيبوا بالوباء كونوا مناعة لأنفسهم ولكنها مناعة لم تدم طويلا ليجدوا أنفسهم من جديد مرضى بعدوى الكورونا وهذه المعطيات الأخيرة فرضت على الحكومات في العالم أن تغير نظرتها في التعامل مع الوباء ومن هنا بدأ التفكير في إعطاء الأولوية إلى الاقتصاد و حماية المنظومة الاقتصادية وتفادي تكبد خسائر أكبر وتجنب الانهيار الكلي قبل فوات الأوان وبدأ التفكير كذلك في حل لحماية صحة المواطن بالتوازي مع حماية الاقتصاد من الانهيار وتأمين عيش الناس لذلك بدأ الحديث في الآونة الأخيرة على الضغط الذي تتعرض له الحكومات من طرف جهات عديدة أهمها أصحاب المصالح الاقتصادية لرفع الجحر الصحي . إن المأزق الكبير اليوم و الذي تواجهه الحكومات في العالم ويحرج كذلك الحكومة الفرنسية هو أن المعايير التي تم اعتمادها في البداية للتوقي من الوباء والتي دفعت إلى اقرار اجراء الحجر الصحي الشامل كانت معايير علمية و طبية من خلال الاستماع إلى ما تقوله هيئة العلماء والخبراء أما هذه المرة فإن قرار رفع الحجر الصحي لن يكون إلا سياسيا واليوم فإن السؤال المطروح على الحكومة الفرنسية هو كيف يمكن رفع الحجر الصحي من وراء ضغوطات كبيرة مع ضمان نجاعة اتخاذ مثل هذه الخطوة والتي وراءها مسؤولية سياسية كبيرة في علاقة بصحة المواطنين ؟ من المعلوم أن رئيس فرنسا له توجهات ليبرالية ومعروف عنه أنه قريب جدا من أصحاب المال والأعمال وأصحاب المشاريع غير أنه في بداية الأزمة الصحية الطارئة قد غلب في معادلة أيهما أولى الصحة أم الاقتصاد الصحة العمومية واختار حياة المواطن على حساب حياة المؤسسة الاقتصادية أما اليوم وبعد أن اتضحت الصورة وبانت الحالة الوبائية وتأكد من أن الفيروس سوف يدوم أكثر مما كان متوقعا وأن المنظومة الاقتصادية للبلاد في طريقها إلى الانهيار فقد انحاز إلى ضفة الاقتصاد و قرر مواصلة خيار تقديم الصحة على مصلحة الاقتصاد الى حدود 11 ماي القادم فقط وبعد ذلك يرفع الحجر الصحي وتعطي الأولوية إلى انقاذ الاقتصاد وإعادة النشاط الاقتصادي والتجاري والمالي إلى الحالة التي كان عليها لتلافي خسارة المزيد من القطاعات الحيوية خاصة قطاع السياحة والطيران والمقاهي والمشاريع التي تعتمد عليه فرنسا وتضررت كثيرا . إن المأزق الآخر الذي سوف تواجهه الحكومة الفرنسية في قادم الأيام بعد تضارب تصريحات المسؤولين والخبراء والعلماء والسياسيين وأمام عدم الاعتماد على توصيات الهيئة العلمية المكلفة بمكافحة الوباء وبعد أن تم تغليب المصلحة الاقتصادية على كل مصلحة هو أن الخروج من الحجر الصحي سوف يكون مكلفا وسوف يجر فرنسا إلى موجة ثانية من العدوى و اعادة انتشار فيروس كورنا من جديد بعد أن تم التحكم فيه خلال فترة الحجر الصحي نتيجة التوقف عن الحجر الشامل ونتيجة قرار إخراج الناس إلى الحياة العادية والذي يتطلب إعداد وترتيب كبيرين وإجراءات وقائية دقيقة وإجراءات أخرى صارمة في جميع الفضاءات والمجالات كما يطلب وقتا لتنفيذه لتجنب حصول خسائر في الأرواح غير أن الحكومة الفرنسية قد قررت رفع الحجر في موعده المقرر مع إعادة الأطفال إلى المدارس والمعاهد وهنا المشكلة الكبرى التي كشفت عنها التقارير الطبية والتي جاء فيها أن هؤلاء الأطفال يتمتعون بجهاز مناعة يسمح لهم بالتعرض إلى العدى وتقبل الفيروس من دون أن تظهر عليهم أي أعراض في حين أنهم ناقلون للفيروس إلى غيرهم بكل سهولة وبناء على هذا القرار السياسي غير المبني على المحدد العلمي تكون الحكومة الفرنسية قد جرت البلاد إلى تطبيق نظرية " سياسة القطيع" لدفع حالات العدوى إلى الانتشار بشكل أكبر وجعل المجتمع يحمي نفسه بنفسه وهذا يعني أن الحكومات في أوروبا والحكومة الفرنسية منها لا تستطيع مصارحة الشعب بأنها بصدد تطبيق نظرية " المناعة الجماعية " أو " مناعة القطيع " لذلك فهي تتولى تطبيقها وتوخيها بكل هدوء من خلال رفع الحجر الصحي وإخراج الناس بعد قرار الاغلاق الشامل بدواعي اقتصادية وتحت مسوغات حماية القطاعات الحيوية في البلاد من دون موافقة من الهيئة العلمية .. إن فرنسا قد قررت الذهاب إلى تطبيق سياسة القطيع من دون الافصاح عنها .