منذ أفريل 2017 وولاية تطاوين تعيش أحداثا ساخنة وتحديدا بما يعرف باحتجاجات اعتصام " الكامور" بل تراوح هذه الاحتجاجات مكانها إن لم نقل تفاقم وضعها بإقدام المحتجين على غلق مضخة البترول وما يعنيه ذلك من خطورة على وضعنا الاقتصادي المتأزم أصلا منذ حلول " الثورة " المباركة. فمنذ سنة 2017 لم تقدر الحكومات المتعاقبة على ايجاد حلّ لما تردّت فيه منطقة "الكامور" رغم كلّ محاولات العلاجية الحوارية منها و الأمنية و لكن ظلّت الأوضاع على ما هي عليه. و حتّى نفهم هذه الوضعية الشائكة نطرح سؤالا وحيدا و مركزيا هل بالفعل طلبات محتجي "الكامور" هي اجتماعية صرفة كالتشغيل و تنمية جهة تطاوين ككل؟ أم تلك هي بمثابة الواجهة التي تخفي حقيقة الوضع التّي قد تصل إلى تهديد وحدة تراب الوطن باعتبار عديد المؤشرات؟ ما هي حقيقة المشكلة في " الكامور " : ظاهريا تتمثل مشاكل " الكامور " الموجودة بالجنوب التونسي و تحديدا بولاية تطاوين في تردّي الأوضاع الاجتماعية بتلك الربوع من بطالة و غياب التنمية بالجهة و عليه اندلعت احتجاجات بالمنطقة البترولية " الكامور " على هذا الأساس لتتطور فيما بعد إلى مويد من المطالبة و تشمل الدعوة لتنمية المنطقة من خلال فرض مبدأ المساهمة على المؤسسات النفطية في تنمية المنطقة باعتبار ما تعانيه الجهة من تهميش رغم أهميّتها الاقتصادية و رغم كل المحاولات لحلحلة هذا الوضع بالجهة من تنظيم اجتماعات حوارية بين المعتصمين من جهة و ممثلين عن الحكومة و عن الاتحاد العام التونسي للشغل و التي أثمرت امضاء محاضر جلسات تعلقت أهم نقاط الاتفاق فيها بانتداب أحد افراد عائلة المتوفي في الاحتجاجات و إعادة الفتح الفوري لمحطة ضح البترول التي أغلقها المحتجون و رفع الاعتصام بنفس المحطة و فتح طريق الكامور و بالتالي رفع كل مظاهر الاعتصام من خيام و غيرها و أيضا تم الاتفاق على انتداب حوالي 3 آلاف شخص و على مراحل في شركة البيئة و الغراسة و البستنة و انتداب أيضا 1500 شخصا في الشركات البترولية إضافة إلى تخصيص 80 مليون دينارا سنويا لصندوق التنمية و الاستثمار بتطاوين و أخيرا عدم التتبع العدلي لكل من شارك في الاحتجاجات. و ما يمكن فهمه عبر كلّ هذه الطلبات و كأنّ المعتصمين في موقع قوّة يفرضون على الطرف الحكومي كل ما يشاؤون بدون قيد أو شرط و ما على الطرف الحكومي إلاّ التنفيذ. نعم نحن مع تشغيل كلّ أبناء الجهة و مع أيضا تنمية منطقة تطاوين و لكن لسنا مع أسلوب ليّ ذراع الحكومة و من وراءها الدّولة ، لا دفاعا عنها و لكن مراعاة للوضع العام الاقتصادي الذي تمرّ به البلاد و باعتبار أيضا و أنّ المتأمّل في كل هذه المطالب هي في الحقيقة ثقيلة على ميزانية الدولة و على المالية العمومية اجمالا و مجحفة و لكن فقط نسأل لماذا أمضت الحكومة على مثل هذا الاتفاق و على كلّ هذه المطالب و هي غير القادرة أصلا على تلبية طلبات المحتجين؟ و لا ندري هل يدخل ذلك في خانة ربح الوقت و كسب بعض الهدنة أم لأغراض أخرى أم الظرف الزماني و أيضا المكاني فرض المناورة باعتبار بعض التوازنات و الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها الشقيقة ليبيا ، لا ندري تحديدا. الغاية من ذلك. بدليل و أنّه على ما يبدو لم يتم تحقيق و لو البعض من المطلوب إلى حدّ اليوم و ما تواصل الاعتصام إلاّ ليؤكّد ذلك فضلا عن تواصل غلق المضخة البترولية و بقاء الوضع بمنطقة الكامور أيضا على حاله. من حراك اجتماعي و اعتصامات و مطالبات ؟ و السؤال أيضا هل تقدر حكومة المشيشي – بعد أن تمّ ترحيل هذا المشكل لها من الحكومات السابقة خاصة إذا ما علمنا من بعض المصادر المسؤولة و أنّ حكومة المشيشي جعلت من بين الملفات التي لها أولوية هي ملف " الكامور " و " الفسفاط" فهل تنجح الحكومة الجديدة في ما أخفقت فيه الحكومات السابقة؟ هذا سيكون موضوع ورقة قادمة ؟ وعليه، دعنا نرى الجزء الثاني من موضوعنا اليوم و نجيب على السؤال الذي وضعناه في المقدمة و هو : هل " الكامور " واجهة فقط تخفي حقائق أخرى ؟ ظاهريا كما أسلفنا هو مشكل اجتماعي و تنموي بالأساس و لكن أ لا يعدو ذلك أن يكون فقط الشجرة التي تخفي الغابة بما فيها من حيوانات ضارية و كاسرة و لاحمة ؟ و اليافطة الأمامية هي فقط لإخفاء حقيقة ما يجري في منطقة الكامور من الجنوب التونسي؟ و بالتالي الإقرار في النهاية من كونها واجهة لحضارية الحراك و الاحتجاج لا أكثر و لا أقّل يجانب حقيقية ما يجري فعلا أو ما يعدّ لهذه المنطقة تحت مظلة المطالب الاجتماعية؟ نقول مثل هذا الكلام لعدّة اعتبارات و هي في نظري في غاية من الأهميّة لمن يدرسها بعمق. و هذه الاعتبارات هي : *كيف يمكن لحراك اجتماعي سلمي من أجل أهداف التنمية و التشغيل أن يصمد منذ سنة 2017 أي لفترة 4 سنوات و الاعتصام مازال متواصلا و لا أعتقد أن طال صمود حراك في العالم لكلّ هذه الفترة و هو في الصحراء و ما تعنيه الكلمة من قساوة المناخ ليلا أو نهارا، إلاّ إذا.....؟ *من أين أتت كل هذه الخيم العالية الطراز التي يستعملها المعتصمون و هي تتطلب أموالا كثيرة لاقتنائها و الحال و أن المعتصمين عاطلون عن العمل و في أوضاع اجتماعية يرثى لها؟ فمن هي الجهة التي تطوعت بكل هذا لإيواء هؤلاء؟ أتساءل و أمرّ للنقطة الموالية؟ *من أين يقتات و يأكل كلّ هذا الجمع باعتبار أهميّة عددهم في ظرف تجد بعض العائلات نفسها غير قادرة حتّى على توفير لقمة العيش لأبنائها أو لشراء لوازم المددرسية أو دفع معين الأكرية للمحلات السكنية التي يقطنونها؟ نسأل أيضا و نمرّ؟ *لم يقتصر الأمر في الكامور على مصادر توفير الإعاشة و الخيم بل يتجاوز ذلك إلى استعمالهم لبعض المعدّات اللوجستية الهامة و التي لا يقدر عليها العاطل عن العمل بل حتّى الذي يشتغل غير غادر على اقتنائها و نقصد تلك السيارات الرباعية الدفع و غيرها من الوسائل اللوجستية الأخرى كالإنارة و غيرها؟ *هناك جانب معنوي و نراه هام و أساسي لابدّ من دراسته من قبل المختصين و من قبل هياكل الدّولة عموما و هذا الجانب يتمثّل في كلّ تلك الثقة التّي يتحدّث بها الناطق الرسمي عن تنسيقية الكامور و كأنّه يتحدث باسم " دويلة الكامور " لا باسم ناس ضعاف الحال يبحثون عن شغل و تحسين الوضع الاجتماعي بصفة عامّة؟ كلّ هذه المؤشرات تدفعني للتساؤل في ختام هذه الورقة – كما تساءل الكثير على منصات التواصل الاجتماعي و بعض السياسيين أيضا – و مفاد هذه الأسئلة يقول من أين كلّ هذا المدد المادّي و المعنوي؟ و أيضا ما هي الأهداف الحقيقية وراء الوضع في الكامور؟ و هل هناك جهة سياسية من مصلحتها تواصل الوضع على ما هو عليه بمنطقة الكامور؟ و هل هناك جهة داعمة بكل هذه الوسائل من مال و معدات؟ و هل في النهاية هناك ارتباط لما يجري في الكامور بما يحصل اقليميا و تحديدا بالجارة ليبيا؟ نتمنى أن يكون رئيس الحكومة قادرا على " حكّ هذه الدبرة " و إن كانت موجعة و " تفريك الرّمانة " حتّى يفهم المواطن التونسي حقيقة ما يدور في الكامور لأنّ وضع البلاد لا يتحمّل المزيد من الصمت و ترحيل مثل هكذا مشاكل من حكومة إلى حكومة؟ أملنا كبيرة في حكومة المشيشي لجعل حدّ لمهزلة " الكامور " خاصة و أنّ محاولات إطالة هذه الأزمة ستكون لها تبعات أخطر ممّا نتصور، على المستوى الاقتصادي و آفاق الاستثمار و أيضا على امكانية انتقال عدوى الحراك إلى جهات أخرى ممّا يلحق ضررا بالاستقرار الاجتماعي .بل قد يصل الأمر – لا قدّر الله – إلى المسّ من وحدة التراب التونسي في ظل اضطراب اقليمي مخيف ؟ فهل ننتظر من حكومتنا الجديدة قرارا سياسيا شجاعا لحلحلة الوضع ؟