هل ما زال الإصلاح ممكنا في تونس؟ هل ما زالت هناك فرصة للإصلاح في هذا البلد؟ هل أضحى الإصلاح صعبا اليوم وعسيرا إلى هذه الدرجة؟ هل انتشر الفساد وتوسع وتغلغل بكيفية وطريقة جعلت محاولات الإصلاح مستحيلة وغير ممكنة؟ هذه كلها أسئلة حائرة هزت المجتمع وشغلت بال الشعب التونسي بعد الكشف عن فضيحة توريد النفايات والفضلات المنزلية من إيطاليا وإدخالها إلى البلاد لردمها في التربة التونسية في عملية خطيرة يبدو أن وراءها أشخاص نافذين ولوبيات تمتلك شبكة علاقات قوية ومؤثرة هي بمثابة العصابات الخطيرة غايتها الوحيدة تحقيق الربح المادي بكل الطرق والوسائل حتى وإن لزم الأمر الإضرار بصحة المواطنين وقتل الإنسان وتدمير البيئة وتلويث المحيط الطبيعي والأخطر من كل ذلك أن هذه اللوبيات التي تقف وراء توريد العفن من أوروبا وإدخاله إلى تونس هي على كامل الاستعداد لتحويل البلاد إلى مصب للنفايات والفضلات والمواد السامة القادمة من بلدان ما وراء البحار. فبعد فضيحة القمح الفاسد المسرطن الذي هز البلاد في السنة الفارطة و تم إدخاله هو الآخر عبر ميناء سوسة لتوزيعه على الشعب التونسي بطريقة فيها الكثير من التحايل والتلاعب بأرواح الناس، نستفيق اليوم على فضيحة أخرى مدوية ، فضيحة توريد زبالة أوروبا ونفايات إيطاليا في حاويات بلغ عددها حوالي 213 حاوية أرست في ميناء سوسة تابعة لشركة تونسية تعمل في مجال النفايات أوهمت الدولة أنها تورد نفايات البلاستيك ليتم تحويلها ورسكلتها في عملية تحايل خطيرة تفضح حقيقة أمر هذه الشركة التي تنشط منذ سنة 2012 أنها تقوم بتوريد الزبالة و الفضالات المنزلية من دولة إيطاليا لتتولى شركات مناولة متعاقدة معها التكفل بتوزيعها بطريقتها غير المعلنة من دون رسكلتها والجريمة في هذه القضية أن المعطيات الرسمية تفيد بأن البلاد التونسية لا تتوفر على منظومة رسكلة ولا على تقنية متطورة في تحويل النفايات حيث أن كامل النفايات المحلية والتي تعود إلى فضلات الاستهلاك المحلي وأن الزبالة التي يتم تجميعها على المستوى الوطني لا يتم رسكلتها إلا بنسبة 5 % فقط أما الباقي وقدره 95 % من مجموع الفضلات فإن البلديات تتولى التخلص منها بالطرق التقليدية وذلك عن طريق ردمها بعد إحراقها فإذا كانت الدولة غير قادرة وعاجزة عن التحكم في نفاياتها المحلية ولا تملك منظومة رسكلة وشركات تحويل لمعالجة الزبالة وتجد صعوبات جمة في الحفاظ على المحيط البيئي فكيف يمكن التعامل مع نفايات الغير وزبالة الدول الأخرى؟ اليوم بعد فضيحة توريد الزبالة من إيطاليا وتوزيعها في التراب التونسي من دون تقدير لخطورة هذا الفعل الذي يرتقي إلى أن يكون جريمة في حق الأمن القومي والأمن البيئي والأمن في الحياة فإن عملية إصلاح البلاد ومحاصرة الفساد قد أصبحت شبه مستحيلة وغير ممكنة، فاليوم الحديث عن الفساد لم يعد منحصرا في صوره التقليدية المعروفة المقدور عليها ولم يعد يكتفي بأعمال التحايل التي تتعلق بسرقة المال العام أو توظيف علاقات لتحقيق منفعة شخصية أو غير ذلك من صور الفساد التي تعرفها المجتمعات وإنما الفساد اليوم قد تحول في تونس إلى جرائم تهدد الأمن القومي وتهدد حياة الأفراد ووجودهم وتهدد البلاد والوطن في وجوده اليوم الفساد قد تجاوز توريد القمح الفاسد المسرطن إلى توريد الزبالة ونفايات غيرنا من دول ما وراء البحار الفساد اليوم قد انتقل إلى تحويل البلاد مصب زبلة دولة إيطاليا. اليوم بعد أن وصل الفساد إلى قاع العفن ووصل إلى حد توريد الزبالة من الخارج فإنه يمكن لنا أن نقول بكل تأكيد ووثوقية إن الفساد قد تغول بكيفية لم يعد معها الاصلاح ممكنا وتوسع بطريقة جعلت إصلاح البلاد عسيرا إن لم نقل مستحيلا .. اليوم الفساد لم يعد يتعلق بمسائل ومواضيع عفنة قذرة وإنما الفساد قد وصل إلى قاع العفن .. لقد وصل إلى الزبالة والنفايات وفضلات الغرب. صحيح أن القضاء قد تعهد بهذا الملف الخطير وصحيح كذلك أن الإعلام قد تناول هذا الملف بكل تفاصيله إلا أن السؤال المحير هو كيف نفسر وجود مواطنين تونسيين يجرؤون على إدخال النفايات إلى بلادهم ؟ وكيف نفهم وجود تونسيين يحملون الجنسية التونسية وتسمح لهم وطنيتهم بإدخال أطنان من الزبالة من الخارج لتوزيعها في كامل التراب التونسي ؟ فهل نعيش أزمة في الشخصية التونسية التي اتضح اليوم أنها مستعدة أن تبيع البلاد من أجل تحقيق مصلحتها الشخصية وقادرة أن تدمر البلاد من أجل الحصول على منافع مادية. اليوم بعد أن وصل الفساد إلى قاع العفن فإنه يمكن لنا ان نعلن صراحة أن إصلاح البلاد لم يعد ممكنا ...