شخصيات كثيرة كانت منسية ظهرت بعد الثورة وصرنا نستمع لها ولآرائها واقتراحاتها حتى لا أقول دروسها فالصحيح أن كبارنا في العمر نحترمهم ونجلهم ونستمع لهم لكن يجب أن يدركوا أن عصرهم ليس عصرنا وزمنهم ليس زمننا ومطالبهم ليست مطالبنا. قد نستمتع عندما يحدثوننا عن نضالهم ونكبر هذا النضال فيهم. لكن يا سادتي المرحلة والوقت لم يعد يتطلب دروس الماضي وما فعلتموه مع المستعمر وخلق البطولات فتونس استقلت عام 1956 من الاحتلال الفرنسي ولكنها وقعت في احتلال آخر لا يقل عنه شراسة هو احتلال القمع والحكم الفردي حكم الفرد وتقديس الفرد. ما عاد الوقت يسمح بأن نغني على بطولات الماضي ضد المستعمر فماذا أعطيتمونا بعد خروج المستعمر الفرنسي ألم تقفون حزبا واحدا صار أقوى من الدولة وشخصا واحد صار يمثل الدولة والحزب وكل السلطات ألم يتحول النضال إلى شرعية للحكم والسيطرة وعدم منحنا الديمقراطية والحرية. ألم تتولوا أنتم يا كبارنا دعوة بورڤيبة ليكون رئيسا مدى الحياة ثم بعد ألم تكونوا أنتم من سمح بوصول ذلك الافاق السارق الجاهل ليكون رئيسا لتونس وألم تخدعونا وتقولوا للجيل الذي جاء بعدكم ان تونس تشهد معجزة اقتصادية ألم تولدوا نظاما ديكتاتوريا من نظام آخر وما غيرتموه هو مصطلح من دستوري إلى تجمعي وعادت حليمة إلى عادتها القديمة. يا سادتي أنتم ناضلتم ضد المستعمر ونشهد لكم بذلك وعملتم على بناء دولة حديثة ونعترف لكم بذلك لكنكم في المقابل فرطتم في حريتنا للشخص والفرد الواحد وألهمتم بورڤيبة وبعده خضعتم لبن علي كما خضعنا جميعا خوفا أو إتقاء لشره وشر عصابته التي أرهبت الجميع. اليوم نريد منطقا آخر وخطابا آخر ومطالبنا غير مطالبكم فالشباب هو الذي قام بالثورة وهو الذي أطاح بديكتاتور العصر الذي حول البلاد إلى قطاع له ولعائلته ولاصهاره ولبطانته بطانة السوء. ألم يحن الوقت لتدركوا وتعترفوا بأن الشباب الذي كنتم تصفونه بالميوعة والسطحية كان أكثر منكم وعيا وأكثر منكم شجاعة وبسالة ألم تدركوا أن الشباب هو الذي قام بالثورة وهو الذي يحميها وسيحميها وأن الشباب يكبر حكماءه لكنه يحمل حكمه غير حكمتهم كفانا تنظيرات لماذا لم نسمع تنظيراتكم هذه في الماضي. ما حصل ليس بالأمر الهين ولا البسيط والخوف أن ننسى الإنجاز الذي حققه الشعب التونسي هذا الشعب الذي فجر ثورة كانت هي الرائدة في العالم العربي وفي العالم وصارت قدوة في جميع العالم فامتدت إلى كامل الوطن العربي ألم نستمع معا لتلك المرأة المصرية الثائرة في ميدان التحرير وهي تقول يوم رحل مبارك شكرا لتونس وشعب تونس الا تقصد شكرا لثورة تونس التي فتحت المجال لكل الشعوب العربية لتتحرر ألم تكن ثورتنا الباب الذي ولجت منه ثورات ليبيا واليمن وسوريا وغيرها من البلدان بعضها نجح وبعضها مازال يحاول وسيحاول. اليوم لم نعد في حاجة لتنظيرات مثالية فنحن نتعامل مع الواقع واقع بلادنا ما بعد الثورة نواجه المصاعب والمشاكل وهي أمور طبيعية فما حصل ليس هينا ولا نتصور أن تحقيق المراد سيكون بين ليلة وضحاها فطريق الديمقراطية مازال طويلا ومواجهة قوى الرجعة معركة مازالت متواصلة لكن ما تحقق ليس بالهين ولا البسيط فقد أنجز شعبنا الكثير الكثير. شعبنا رفض امتداد الماضي وتواصله وأصر على بناء وقيام الجمهورية الثانية جمهورية الحرية والديمقراطية ورفض كل القديم الضار وصمم على دستور جديد وبرلمان جديد وأصر على مجلس تأسيسي يحقق مراده ومناله ولأول مرة ستجري في بلادنا انتخابات نزيهة سيراقبها الشعب ذاته ولن يسمح بالتلاعب بها من أي طرف وبأي طريقة ومن سيختاره الشعب هو من سيمثله مهما كانت برامجه واليوم تعيش تونس وشعبها واقعا جديدا من حقه أن يعيشه هو واقع الحرية والطلاق الكامل مع الديكتاتورية وإلى الأبد فالشعب لن يسمح لا ببورڤيبة جديد ولا لبن علي جديد انتهى هذا الأمر.