انتظم في جو استثنائي من انتشار أمني منقطع النظير حفل تنصيب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية يوم الأربعاء وسط إجراءات عسكرية واستخباراتية مشددة إثر أحداث الكابيتول المهولة. فماهي أولويات الرئيس الديمقراطي الجديد لإعادة ترتيب "البيت الداخلي" بعد ما حل به من فوضى الشعبوية وما زعزع كيان مؤسساته الدستورية من مرض التشبث بالحكم و رفض خيارات الأمة؟ الحالة الأمريكية الداخلية التي قال عنها (جامس كوبرني) محرر وكالة (بلومبرجر) أنها تنذر بالانفجار بسبب تخلي إدارة ترامب عنها للعناية بسفاسف القضايا الشخصية المرضية للرئيس والذي كان أفضل للشعب كما قال (كوبرني) لو منعه الدستور منذ 2017 من الرئاسة حين بدأت تظهر عليه أعراض غير مسبوقة من تضخم الأنا الشخصية الأنانية وممارسات غير منطقية لاستعمال سلطات الرئيس في تضخيم أرباحه التجارية و تصريف شؤونه العائلية و تأييد العنصرية بدل مقاومتها و دعم اليمين العنصري بدل الحد منه بالقانون! وحسب المراقبين للسياسات القومية الفيدرالية الأمريكية فإن الرئيس المنتخب جو بايدن سيوقع عقب تنصيبه خلفا لدونالد ترامب على 12 أمرا تنفيذيا تتعلق بالتصدي لجائحة فيروس كورونا وهي التي أعلن بايدن منذ بداية الحملة الانتخابية عن الأولوية القصوى التي يوليها الى مقاومة جائحة الكورونا بسبب إهمال ترامب لتفشي الوباء عند ظهوره و اتساع رقعة ضحاياه الأمريكان! وبالفعل وقع الرئيس بايدن على قرار عودة بلاده لمعاهدة باريس العالمية لحماية البيئة و تسديد مساهمة أمريكا في ميزانية المنظمة العالمية للصحة و منظمة اليونسكو كما وقع دون انتظار على إلغاء القرار العنصري القاضي بمنع مواطني الدول ذات الأغلبية المسلمة من دخول الولاياتالمتحدة! و وقع على قرار التمديد لمعاهدة (ستارت3) بين واشنطن و موسكو 5 سنوات وهي المتعلقة بالحد من الأسلحة النووية و التي تنكر لها ترامب! كما أن الملفين الذين سيحظيان بتوقيع مراسيمهما هما التصدي لتدهور الاقتصاد الأمريكي واللامساواة العرقية والتغيّر المناخي. و تقتضي التقاليد الأمريكية تعيين رجل كفء في منصب كبير موظفي البيت الأبيض لأنه هو المكلف بإعداد نصوص الأوامر التنفيذية ال12 التي سيوقع عليها الرئيس الأمريكي المنتخب بعد التنصيب في وقت تم حشد عناصر الشرطة و الجيش و الحرس الوطني في كل أنحاء الولاياتالمتحدة استعدادا لهذا اليوم التاريخي و كان اختيار الرجل المناسب هو (رون كلاين) الذي أصدر بيانا جاء فيه: أن "كل هذه الأزمات تتطلب تحركا عاجلا"، مضيفا أن "الرئيس المنتخب بايدن سيتخذ في الأيام العشرة الأولى من ولايته تدابير حاسمة للتصدي لهذه الأزمات الأربع ولتجنيب البلاد أضرارا طارئة لا يمكن إصلاحها ولاستعادة أميركا مكانتها في العالم مؤكدا أنه بتوليه الرئاسة الأمريكية خلفا لدونالد ترامب، يرث بايدن مجموعة من التحديات الكبرى أخطرها أن الولاياتالمتحدة تتجه سريعا نحو تسجيل نصف مليون وفاة بفيروس كورونا وأكثر من مليون إصابة أسبوعيا، مع تفش للفيروس خارج السيطرة كما أن الاقتصاد يرزح تحت وطأة تداعيات الجائحة التي تسببت في إلغاء عشرة ملايين وظيفة كما يواجه المستهلكون الأمريكيون والشركات صعوبات معيشية طارئة أقضت المضاجع و أدخلت البلبلة على النفوس. و كشف بايدن الستار عن خطة لتحفيز الاقتصاد بقيمة 1,9 تريليون دولار عبر منح و هبات مالية وهو يعتزم تسريع حملة التلقيح المتعثّرة ضد كوفيد-19وقال كلاين إن "الرئيس المنتخب سيتّخذ تدابير جبائية ليس فقط لإصلاح أشد أضرار إدارة ترامب جسامة وهي مضاعفة أداءات القيمة المضافة المفروضة على المواطن المستهلك وإنما أيضا للدفع بالبلاد قدما نحو استعادة عافيتها الاقتصادية و الاجتماعية و خاصة العودة لكل تدابير (الهيلث كير) أي التأمين الصحي لأربعين مليون أسرة أمريكية و التي أقرها الرئيس أوباما و نائبه بايدن مدة السنوات الثمانية التي كان فيها الرجلان في البيت الأبيض. كل هذه التحولات الكبرى في السياسات هي التي جعلت الإعلامية الأمريكية (جين أنغريد) تطلق عبارتها على قناة (بي أس نيوز) والتي تناقلتها وسائل الإتصال الاجتماعي بكثرة وهي: "اليوم 20 يناير سيعود اللون الأبيض الزاهي للبيت الأبيض بعد أن صبغته إدارة ترامب على مدى أربعة أعوام بالألوان الداكنة الحزينة"! الذي يهم العرب و المسلمين من التحول العميق في السياسة الأمريكية هو ما نتوقعه من عودة واشنطن لمعاهدة النووي الإيراني و ربما استعادة بايدن لما أعلنه أوباما في خطاب القاهرة من إعادة الحرارة و الثقة بين أمريكا و العالم الإسلامي. أكبر مكسب لنا و لبايدن هو إعادة رسم العقيدة الأمنية لبلاده حين وضع الفاشية الداخلية في أولوياتها وهو استخلاص لدرس زعزعة المؤسسات الدستورية يوم اقتحام الكنغرس.