ظلت لما يقارب ثلاثة عقود كل من مادة التربية الإسلامية والتربية المدنية( الوطنية) لتلاميذ التعليم الثانوي في مرحلتيه يتولى تدريسهما نفس الأستاذ من خريجي الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين و ذلك لما بين مضامين هذين الماد تين من تكامل يكاد يصل في البعض المحاور الى حد التطابق. وظل خريجو الكلية الزيتونية يقومون بهذه المهمة بكفاءة بيداغوجية وعلمية ويؤطرهم مرشدون بيداغوجيون ومتفقدون يشهد لهم الجميع بالكفاءة . * فالكثير من هؤلاء الأساتذة مارسوا مهنة التعليم في المرحلة الابتدائية قبل ان يحرزوا على الاجازة والجميع يسلم بما للمعلم من الخبرة البيداغوجية التي هي ثمرة صرامة وجدية الإطار البيداغوجي الذي كان يؤطر المعلمين. وكذلك فإن مناهج الكلية الزيتونية أدرجت ضمن موادها مادة التربية الوطنية تولى تدريسها ثلة من كبار رجال التربية ورجال القانون فضلا عن انه لاتضارب بين غرس القيم الدينية السليمة القويمة البعيدة عن الادلجة والتوظيف وغرس القيم المدنية والوطنية في تلاميذ المدرسة التونسية. ولم تكن في يوم من الأيام هاتان المادتان( التربية الإسلامية بالخصوص) مصدرا لنشر أي توجه اسلاموي. (والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه). * و قد انعكس سحب تدريس مادة التربية المدنية من الأساتذة خريجي الكلية الزيتونية واسنادها الى غيرهم من خريجي كليات الحقوق والعلوم الاجتماعية انعكس هذا الإجراء على انتداب خريجي الكلية الزيتونية فتناقصت أعداد المنتدبين شيئا فشيئا وكرس هذا السحب شيئا فشيئا ما لانريده ان يكرس من تقابل وتعارض يراه البعض بين ما هو ديني وما هو وطني ولم ينتبه ويا للاسف الشديد إلى هذين الانعكاسين على من يشرفون على حظوظ الزيتونة والذي بدت بسرعة نتائجه الأولى على أعداد الموجهين من حملة البكالوريا للدراسة في الزيتونة. * في إطار المراجعات العامة لمختلف برامج التعليم التي وقعت بعد تحول السابع من نوفمبر أحدثت لجنة لمراجعة برامج التربية الإسلامية في التعليم الأساسي والتعليم الثانوي وتكونت لذلك لجنة ضمت في عضويتها عددا من الأساتذة والمرشدين البيداغوجيين و المتفقدين والأساتذة الجامعيين من الكلية ثم من الجامعة الزيتونية وكان معهم بعض مستشاري الوزير محمد الشرفي رحمه الله و أسندت رئاسة اللجنة في أول الأمر الى الدكتور التهامي نقرة رحمه الله رئيس جامعة الزيتونة ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى باعتبار ان القانون الأساسي المنظم للمجلس الإسلامي والمحدد لصلاحياته ينص على أنه ينظر في برامج التربية الإسلامية في مختلف مراحل التعليم ثم تولى رئاسة اللجنة الدكتور عبد المجيد بن حمدة الذي جمع هو أيضا بين رئاسة الجامعة والمجلس الإسلامي إلى ان أنهت اللجنة أشغالها التي امتدت إلى أكثر من سنتين. * ولم يكن عمل هذه اللجنة باليسير خصوصا وانه جرى في ظرف كانت البلاد تمر فيه بمرحلة دقيقة بدأت بالندوة الصحفية التي عقدها وزير التربية محمد الشرفي و ما جرى فيها على لسانه فيما يتعلق بما راه مخالفا ومتعارضا مع الحريات الأساسية وحقوق الإنسان وما تلا ذلك من ردود فعل من بعض الأطراف وبدا الأمر كما لو انه صراع فيه الكثير من التشخيص. *عملت والحق يقال بصبر (بين أعضائها على بعضهم البعض رغم ماواكب عمل اللجنة من جدل إعلامي حاد) و عملت اللجنة بموضوعية ومسؤولية الى ان اتمت اشغالها ويمكن القول إن اللجنة على المستوى النظري وفت ووفقت الى المقصود والمطلوب من المراجعة والإصلاح الذي هو مطلب الجميع والذي يقتضيه كل عمل بشري بعد كل فترة وأخرى مراعاة للمستجدات. * فقد وقع الاحترام للثوابت ووقع الاعتبار للمستجدات ووقعت المراعاة للمقاصد والغايات وعندما جاء وزير التربية لاختتام أشغال لجنة مراجعة برامج التربية الإسلامية وبعد شكر الجميع على الجهد التطوعي الذي قاموا به فاجأ الجميع باستغرابه كيف لا يقرر في البرنامج حفظ على الأقل جزء عم من القرآن الكريم وهو حسب قوله المقدار الأدنى الذي ينبغي على المسلم ان يحفظه وحتى لا يضطر الى التكرار ان هو صلى الصلوات الخمس يضاف إليها عشرون ركعة من ركعات صلاة التراويح . ونبه الوزير إلى ان البرنامج ينبغي ان ينص على حرمة الخمر ولحم الخنزير وغيرهما فذلك ما ينبغي ان يكون المتخرج من المرحلة الثانوية في المدرسة التونسية قد تعلمه الى غير ذلك مما جاء في كلمته التي كانت محل ارتياح الجميع (وقد وثقت شخصيا ( وانا أحد أعضاء اللجنة) وقائع هذه الجلسة ونشرتها في( ملحق اسلام وحضارة من جريدة الحرية )وسلمت نسخة منه للوزير عند أول لقاء به لدى زيارته لولاية بن عروس لدى استقباله بصفتي احد نواب الجهة في مجلس النواب. وكان تعليقه شبيها بتعليق السيد محمد الصياح رحمه الله حول ما كتبته عن الكلية الزيتونية . لقد وضع مقالك أمامي يوم صدوره). *اما الجانب الثاني من اصلاح برامج التربية الإسلامية وهو جانب تأليف الكتب المدرسية ولمن أسندت هذه المهمة التي فيها الغنم المادي والمحاباة ووو فهذا ما يمكن ان تبدى الملاحظات حول ما وقع فيه من مراكنة بقصد الإفادة المادية لمن ليس لهم أي صلة من قريب أو من بعيد بمادة التربية الإسلامية ولا بالإطار المدرس للمادة من أساتذة ومرشدين ومتفقدين وهو ما وصل الى اسماع الخاص والعام و تداولته وسائل الإعلام المكتوبة حتى خارج تونس من ذلك ما نشرته جريدة (القدس اللندنية) حيث قرأنا على أعمدة صفحاتها معارك حول من هو أحق بحقوق المؤلف دار النشر ام المؤلف فيما يتعلق بما نشر للمستشار سعيد العشماوي ضمن الكتب المدرسية لمادة التربية الإسلامية في البرامج التونسية الى غير ذلك من تقرير لكتب مساعدة مثل كتاب '(دليل المسلم الحزين)لجلال أمين في حين كان هناك ما يغني عنه من أعمال اعلام تونسيين مشهود لهم بالتنوير والسماحة والاعتدال. والى اضاءة أخرى في موضوع يمكن المساهمة بها بما يمكن ان ينير القارئ.