تعدد الأبطال بعد الثورة، وتنوعت عناوينهم... كثير منهم يتاجر بسنوات سجنه، وإقامته في المنفى يعيش حياة النعيم بأموال مشبوهة... ونتذكر حوارا لأحد زعماء هذه المرحلة قبل الثورة يعترف فيه أنه يعيش بأمان وهو في المنفى، فسأله المذيع "كيف ترى نفسك معارضا ومناضلا سياسيا وأنت تعيش في عزلتك بعيدا عن تونس بكل جراحاتها وهموم أبنائها؟" فرد الشيخ قائلا "كما ترى أنا كبير في السن لا أحتمل "التمرميد" في السجون إذا عدت إلى تونس..." ولما انتفض الشعب وهرب "بن علي" عاد الشيخ إلى الوطن ليطالب بنصيبه من الكعكة، ولم يقل إن العمر لم يعد يسمح له بالنشاط السياسي المرهق... ومن المضحكات_المبكيات أن أمناء أحزابنا في هذه المرحلة يطلعون علينا من كل مكان ليعبروا عن تأففهم من العمل السياسي ويترفعوا عن طموحاتهم في كرسي الحكم، ومتى تقلدوا مناصب "مغرية" فسيفعلون ذلك احتراما لنداء الواجب لا أكثر... إنه التملق والتلون والنفاق الذي يختص به الساسة ويصفونه بالذكاء الاجتماعي لتبرير تواضعهم الكاذب... جميعهم يريدون استغلال المرحلة ويركضون خلف "الكرسي" وقليلون جدا أولئك الذين يفكرون في مصلحة تونس، ولذلك يتردد على مسامعنا السؤال التالي في الشارع التونسب "شكون باش ننتخب؟ الأحزاب برشة لكن ما نعرفوهمش؟ وزيد بكلهم يحكيو بنفس اللغة وما عادش نعرفو شكون فيهم صادق؟ وشكون اللي يكذب؟؟" هم سماسرة المرحلة، يتعقبون الفرص المتاحة لفرض وجودهم في مجتمع لم يعد يحتمل المزيد من الأكاذيب... وهناك نوع آخر من السماسرة أولئك الذين عاشوا مع بن علي وزوجته عن قرب، مثل الحارس الشخصي، والخادم الأمين، و... و... وخرجوا في وسائل الإعلام ليسردوا على مسامعنا حكايات ألف ليلة وليلة لا يعنينا كثيرا ما هي حدود الصدق فيها من الكذب، ولكن أليس من المعيب إفشاء الأسرار الخاصة للعائلة الحاكمة؟ بماذا سيفيدنا إشارة "الخادم الأمين" إلى الميولات الجنسية الشاذة لصخر الماطري؟ وأين مصلحة تونس في اكتشاف الأنشطة الموازية لليلى بن علي _وهي في الحقيقة ليست اكتشاف_ وفي ولع الرئيس السابق بالنساء؟ مصلحة تونس تقتضي أن يتجه هؤلاء إلى القضاء أو لجان مكافحة الفساد وتقصي الحقائق للإدلاء بشهاداتهم إن كان فيها ما يخدم محاكمة بن علي وزوجته، ولكن الخادم الأمين كان يفكر في مصلحته ويبحث عن الشهرة فاختار "السمسرة" بمعلوماته المضحكة مع صحافية فرنسية لم تمنع أعوان الأمن في مطار تونسقرطاج من القبض عليه بتهمة "إهمال عيال"، ولم تشفع له في ذلك رفقته الفرنسية ولا الجدل الذي أثاره بشهاداته من داخل القصر... وحتى إن كانت شهادات هذا الخادم غير الأمين جادة كيف يمكن أن نثق فيه وفيها وهو ملاحق بتهمة "إهمال عيال"؟؟ حري بهؤلاء أن يصمتوا فلم يرغمهم أحد على ملاصقة الأسرة الحاكمة والاستفادة من بذخهم، ولم تطالبهم تونس ما بعد الثورة بالكشف عن السجل الخاص لبن علي... كلنا يعرف قبل الثورة السجل الإجرامي لبن علي وفساد زوجته وأسرتيهما، ولا نحتاج إلى "حارس شخصي" أو "خادم أمين" يبحث عن "النجومية" ليصدع رؤوسنا ببعض التفاصيل المملة... يحتاج الوطن في هذه المرحلة إلى "شرفاء" يثبتون استعدادهم للعطاء والتصدي إلى الفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي، لا إلى سماسرة مصلحة الوطن هي آخر همهم...