جلسنا مساء يوم عيد الفطر في مقهى فخم وكبير وواسع من هذه المقاهي الكثيرة المتناثرة في حي النصر بالعاصمة والذي يكاد يصبح حي المقاهي التي يرتادها الشباب والحسناوات والفاتنات «بالهدوم ومن غير هدوم».. وما إن جلسنا حتى انطلقت الحكايات على الطريقة التونسية التي تأخذ من كل شيء بطرف.. وأجمل ما فيها أنها تحكي عن كل شيء ولا تحكي عن أي شيء! ومن حكاية الى حكاية حتى وصلنا الى حكاية المقاهي وخصوصا في رمضان وكيف اشتغلت.. واشتعلت.. واكتظت.. وغصّت.. وكسبت.. وجنت.. وكان لا بد ان نصل الى موضوع المداخيل وما حققته هذه المقاهي من أرباح في شهر رمضان وقال أحدنا وهو من أهل الخبرة أن تلك الأرباح كانت خرافية ثم سألنا: هل تعلمون كم بلغت المداخيل اليومية لهذا المقهى بالذات الذي نجلس فيه نحن الآن؟ وبدأنا نتبارى في تقديم الأرقام.. ولكن لا أحد توصل الى التكهن بالرقم الصحيح فطلبنا من صاحبنا الخبير أن يقدمه لنا ويعفينا من هذه المباراة الفاشلة.. ولما نطق بالرقم اصابتنا الدهشة فلم نصدق!!! هل تعرفون كم يبلغ هذا الرقم؟ لقد قال لنا أن الدخل اليومي لهذا المقهى بلغ طيلة ايام رمضان 15 ألف دينار!! نعم 15 ألف دينار في اليوم الواحد بالتمام والكمال!!! واللهم لا حسد.. وقد وجدت في هذا الرقم شيئا من التهويل والمبالغة فنزلت به الى أقل من النصف.. ومع ذلك اصابتني البهتة.. فحتى نصف ذلك الرقم ليس بالشيء الهيّن.. إنه مبلغ ضخم وهام.. ولكنني مع ذلك اقول لصاحب هذا المقهى وسواه من أصحاب المقاهي: «صحّة ليكم».. فلقد عرفتم من أين تؤكل الكتف.. وعرفتم كيف تحققون الأرباح الطائلة بأقل ما يمكن من أوجاع القلب والرأس.. وكان معنا في الجلسة أحد كبار الموظفين فتنهد بمرارة وحرقة ثم قال لنا ليتني كنت (قهواجي) ولكن في حي النصر.. وكان معنا في الجلسة أحد هؤلاء الذين أدركتهم حرفة الكتابة والصحافة وقد «تهرّت» اصابعه من الكتابة بالليل والنهار ولكنه كان دائما «ربّنا كما خلقتنا» فتنهد تنهيدة لو سمعتها الأرض لإشتقت.. وبكت على صاحبنا الكاتب الذي يحرث في بحر الحبر.. ثم أشعل سيجارة ومن التهابها ظننا أن صاحبنا هو الذي سيلتهب وسيتفحّم.. ثم قال: شوف يا صاحبي اسمعها مني انا كذلك بالحرام أشعر الآن بالتفاهة فيا ليتني أنا كذلك كنت «قهواجي».. ان شاء الله حتى في حومتي «المزمرة»..