هل طالع وروى الكثير من الشعب التونسي قصّة الفلاح والملك؟ أنا أرويها لمن لا يعرفونها، وأذكّر بها من عرفوها ورووها وذلك لأننا اليوم في تونس محتاجون اليها والاهتداء بها. يروى أن ملكا رأى فلاحا عجوزا في التسعين من عمره يغرس شجرة زيتون، فقال له الملك: لماذا تغرس شجرة زيتون وهي لا تثمر إلا بعد عشرين سنة وأنت عجوز في التسعين من عمرك وقد دنا أجلك لكبر سنّك وسوف لا تنعم بثمرتها؟ فبماذا أجاب الفلاح وماذا قال؟: قال أيها الملك: أجدادنا غرسوا فأكلنا ونحن نغرس اليوم ليأكل أحفادنا، فاستحسن الملك جواب الفلاح وأمر له بجائزة. هذه الحكاية إذا أردنا أن نهتدي بها ونستضيء بنورها اليوم يمكن للبعض من الشعب التونسي أن يقول: رحم الله آباءنا وأجدادنا فقد غرسوا وأكلنا ويمكن للبعض من الشعب التونسي أن يقولوا: لم يزرع ولم يغرس لنا آباؤنا وأجدادنا شيئا حتئ نأكل منه. لقد ولدونا في مناطق خالية من الشجر والثمر ومن العطاء، لم يغرسوا لنا شيئا في عهد بورڤيبة، ولم يغرسوا لنا شيئا في عهد بن علي. لنقل ولنعترف بأن هؤلاء قالوا وصرّحوا فصدقوا القول: لكن ألا يقال لهم: إذا كنتم أنتم قد ظلمتم من قبل فهل ترضون أن يرث أولادكم وأحفادكم هذا الظلم؟ إذا كان آباؤكم وأجدادكم لم يغرسوا لكم غرسا تنعمون بثمره فهل يسعدكم ويريحكم أن تخرجوا من الدنيا الفانية الى الدار الباقية دون أن تغرسوا لأولادكم وأحفادكم غرسا ان فاتكم منه ثمره نالكم منه ثوابه وأجره والرحمة وحسن الذكر؟ في تونس مناطق حرمت من التنمية، وحرمت من مواطن العمل، وحرمت من فرحة الحياة.. وإن كان كل سكان مناطق تونس يدّعون هذا الحرمان. اخواننا وأخواتنا سكان هذه المناطق من حقهم اليوم في عهد ثورة الكرامة أن يطالبوا الدولة بجنات تجري من تحتها الانهار التي حرموا منها في العهدين الماضيين. اخواننا وأخواتنا في كل المناطق التي لم يغرس فيها الأوائل غرس العطاء والخير والنماء ولم يتركوا فيها أشجارا نامية قطوفها دانية.. هؤلاء من حقهم أن يطالبوا الدولة بحقهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفرحة الحياة. ولكن أليس من الصدق في القول وتجنّب النفاق أن نقول لهم: إن شجرة الخير والتنمية التي تطالبون بها ستكون وسوف تكون كشجرة الزيتون التي كان شيخ التسعين قد قام بغرسها.. إنكم سوف لن تنعموا بثمرها ولكن أبناءكم وأحفادكم بثمرها سينعمون. إننا نقول بالصدق لا بالنفاق السياسي: إن هذه الشجرة التي تطالبون بها اليوم لتتحقق في دياركم جنات التنمية سوف لا تعطي ثمارها يوم زرعها وغرسها لأنها ليست من غرس المسيح الدجال ولكنها من غرس الانسان العالم العاقل. يروى أن ولدا طلب من والده أن يعطيه شجرة فيغرسها وينعم بثمرها فأعطاه. وبعد أن غرسها الولد قال له الوالد: إن من يريد أن تثمر شجرته عليه أن يدعو لها بالبركة. قال الولد: هل آخذ سبحة وأدعو بها للشجرة أم أدعو لها بالبركة في صلاتي؟ قال الوالد: إن الدعاء للشجرة بالبركة يكون برعايتها، وسقيها، وحفظها من الرياح والعواصف. ونحن في تونس نرى الشعب التونسي من شماله الى جنوبه، في مدنه الساحلية ومدنه الصحراوية يطالب بالتنمية، وشجرة الخير والبركة تغرس في كل شبر من الأرض. من حق هذا الشعب أن يطالب ومن واجب الدولة أن توفر هذه الشجرة في كل يوم لا في عيد الشجرة فقط، ولكن أليس من واجب الشعب في كل مكان أن يستقبل هذه الشجرة بالدعاء لها بالبركة؟ فهل تنعم الشجرة ببركة الاحتجاجات، والانفلاتات، والاعتداءات، والاضرابات التي تتوالى ولا تتوقف؟ أليس من واجب الشعب في عهد ثورة الكرامة أن يضحّي كما ضحّى من ناضلوا بالنفس والنفيس ضد المستعمر؟ إن الشعب التونسي اليوم مطالب بأن يناضل ضد الفساد وضد الجهل، وضد الفقر، وضد المرض وضد كل ما ورثه من نقائص ومظالم من العهود السابقة. وإن الشعب الشعب التونسي مطالب بأن يغرس اليوم غرسا طيبا ينال ثمره أبناؤه وأحفاده، وهذا لا يكون ولن يكون إلا إذا ضحّى جيل اليوم، جيل الثورة بحقوقه من أجل أن ينعم بالحقوق كاملة أو بعض حقوقه أولاده، فهل الشعب التونسي يقبل بهذه التضحية حتى تكبر الشجرة وتزهر وتثمر أم أن السياسة الملعونة تدفع الشعب الى أن يتظاهر دائما ويطالب ويريد أن يأكل الاخضر قبل أن يحضر وأن يمتص عود الشجرة يوم غرسها؟ أسأل وأحب أن أفهم..