كنت أصدرت كتابا في شهر أوت 2015 اخترت له عنوانا "ذكريات وال في الزمن البورقيبي" حاولت أن ألخص فيه مسيرتي الطويلة التي عشتها داخل السلطة وخارجها وما قضيته في العمل المحلي كمعتمد ثم واليا أو واليا للولاة بوزارة الداخلية قبل أن انتخب في مجلس الأمة كعضو لدورة واحدة ومثلها باللجنة المركزية للحزب ألاشتراكي الدستوري وقتها. لم أغفل عن المدة التي همشت فيها في زمن ما كان يسمى بزمن التغيير في قاموس البعض والانقلاب في قاموس الآخرين. وكنت منهم، لأني اخترت الانحياز للمهمّشين والمتابعين قضائيا وقتها بصفتي محاميا وكان على رأسهم الوزير الاسبق محمد مزالي رحمه الله، لم أهمل الحديث عن ثورة الحرية والكرامة أو الانتقال الديمقراطي وخيبة أملنا فيه. اشتمل ذلك الكتاب على715 صفحة بتصدير من الدكتور عبد الجليل التميمي المؤرخ الشهير، فزاده ذلك قيمة ومصداقية وأعطى فيه رأيه العلمي وبما جاء فيه وشجعني على نشره بدون تأخير. من بين من قرأ ذلك الكتاب باهتمام كبير السيد الحبيب جغام وخصص له حيزا وأجرى معي حوارا إذاعيا عما جاء فيه من أسرار وانطباعات عن تلك الفترة الثرية بالأحداث والتي سلطت عليها الأضواء وعن الحكم المحلي والجهوي وعلاقة الولاة بالمسؤولين وممثلي الوزرات بالولايات وشتى التشكيلات الأخرى وبالمواطنين، وعلاقتهم بالحزب الحاكم وقتها خاصة بعد انخراطهم في هياكله العليا منذ مؤتمر بنزرت المنعقدة 1964. شجعتني أسئلته المباشرة والعميقة على البوح ببعض الأسرار المكتوبة والتي نسيت تدوينها في الكتاب، وشدني في محاوري سعة اطلاعه واهتمامه بالتاريخ الحديث، وكان يسال عن دقائق الأمور، لكن ذلك بأدب كبير، لقد طمأنني اهتمامه ذلك على مستقبل تونس بالرغم من انه لم يعش مثلي كامل تلك الفترة التي كتبت عنها وخاصة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي في مدة تونسة الحكم والإدارة وتجربة التعاضد التي كان يسمع عنها من بعيد. وبعد إذاعة ذلك اللقاء على أمواج الإذاعة الوطنية في موعده مساء الخميس 9 فيفري2017 من الساعة العاشرة الى منتصف الليل، واستمع له من استمع، جاءتني يعض الأصداء في صباح يوم 10 فيفري2017 من بعض المستمعين الاوفياء، فكانت بالنسبة لي علامة جيدة عن رضاهم لأن الذين خاطبوني هاتفيا كانوا من العاديين ولم أكن أعرفهم عن قرب سابقا، لكنهم اهتموا بما قلته ذلك المساء وكانوا من المتجاوبين مع ذلك الحوار. لذا وجب عليّ التوجه لهم بشكري وعرفاني عامة وللأخ الحبيب جغام خاصة الذي أجاد إدارة الحوار بحرفية وأظهر جدية في قراءة الكتاب على طوله.