غلبت على قصائده السخرية و النقد الساخر الخفيف و اللاذع في الوقت نفسه للواقع الاجتماعي و السياسي في تونس، يصرّ في كل مناسبة أن يؤّكد بعده عن الصراعات السياسية و الحزبية و أنه يكتب الشعر للشعر، خلق تباينا في الآراء بين متابعيه بسبب النكتة الساخرة و الحضور المتفرّد في الالقاء و الكلمات. هو الشاعر التونسي المنصف المزغني الذي كان للجريدة معه لقاء خاصا بعد إصداره لمجموعته الشعرية الجديدة "مشاعر" صدر لك أخيرا مجموعة شعرية بعنوان" مشاعر " ( منشورات زخارف ) فعن أي مشاعر تحدّث المنصف المزغني ؟ مشاعر هو عنوان القصيدة الأخيرة و هي أطول قصيدة في المجموعة ، تحكي عن الشاعر أثناء عمله و علاقته بشيطان الشعر و بالشعراء الآخرين، وبالجمهور ، وبالمرأة ، وباللغة ، كيف يخلّص نصّه من أصابع الآخرين و يوصل نصّه الخاص ، و هذا هو موضوع القصيدة. اخترت عنوانا بسيطا ، أردت أن أقول أن واجب الشاعر هو أن يكتب قصيدته الخاصة ،أن يطرح كلمات و يذهب بها الى الشعر يطرق بابه ، عليه أن يقول مشاعره دون البحث عن الاجماع ، إنّ السياسي المحترف هو الباحث عن المناصب السياسية من وراء سعيه الى البحث عن الاجماع و ليس الشاعر او الفنان ، الشاعر ربما يبحث عن الفتنة حول نصه أو حول شخصه . كيف يرى المزغني المشهد الابداعي في تونس في ظل كل هذه الصراعات السياسية والغليان الاجتماعي ؟ لقد انطلق التعبير بعد أن كان المبدع يلجأ الى الرموز و الأحاجي أحيانا ثم ما أحسسناه أننا في تونس صرنا تقريبا دون قيود ظاهرة ، لقد غاب الحاكم الرقيب ، واكتشفنا ان بعض الشعب هو الرقيب الاخطر ، والحقيقة هي ان الرقابة لا بد ان يحس بها كل فنان . كيف ؟ الشاعر مثلا هو موظف لدى فن الشعر الذي له قيوده الجمالية والفنية الخاصة ومن واجبه أن يعرفها، اولا ، كما انه مطالب بارتياد آفاق لم يكتشفها غيره ، وهذا هو أصل الفن الثوري كما فهمته ومارسته في جل نصوصي الشعرية . صحيح ان القيد قد ارتفع على مستوى حرية الكلام والمعاني وكسبنا معركة اللسان الطويل في فضاءات الحرية في المضمون و تخطينا حاجز الخوف السياسي لكن السؤال هنا هو ماذا يمكن ان نفعل في الفن ، وما مدى الشجاعة الجمالية للمساهمة في ثورة الأشكال الفنية المبتكرة . ما هو حضور المثقف ، الفنان ، الشاعر ، رجل الفكر ، الا تراه متراجعا في وسائل الاعلام ؟ لقد زحف السياسي زحف مبينا و مجنونا على المشهد الابداعي حتى صار الجانب الجمالي غائبا في حياتنا، و صار الفنان و المبدع غير مرحّب به في البلاتوهات و اللقاءات ، لم يعد الانتاج الفني يثير أحدا فالكتب و الدواوين التي تصدر لا تجد من يعيرها اهتمامه الكامل ، باستثناء السينما ( الفن الاغلى ماليا ) في حين نجد اعلاما أصابه عشق الفرقعة والهوس الكبير بالفضيحة ، و الابداع صار وزنه خفيفا جدا. ما تقييمك لمكانة المبدع في تونس؟ نحن للأسف لا نعطي قيمة للمبدع إلا بعد الموت، فنحن نحتفي بالمبدع اذا اقترب من الموت ونحتفل به اذا التحق بالموتى و نستحي من المبدعين الأحياء ،نحن نخجل من شكر الأحياء و لا نستحي من مدح الموتى . و انا شخصيا لست في حاجة لتكريمي بل إني أكرّم نفسي كلما شعرت بهذه الحاجة ، ولي طريقتي السرية الخاصة . ماهو الحل في رأيك حتى يلتفت الشباب الى الثقافة ؟ رأينا في السابق ان الشعب يلتف حول الكرة، وكان يقال ان السلطة السياسية هي التي الهته عن مشاغله الحقيقية ، ثم اكتشفنا ان الافراد هم الذين اختاروا أن يهربوا الى الكرة ، والى كرة القدم تحديدا لانها توفر فرجة يحترمها الحاكم والمحكوم ، بل ان الحاكم الذكي كان يؤجل بث خطابه الى ما بعد المقابلات الرياضية المهمة ، والكرة هي ليست كل ما يلهي الشباب . السؤال هنا هو : كيف نجلب انتباه الشباب و الأفراد إلى الثقافة والانشطة الفنية والجمالية ، و كيف نوظّف ميزانيات للثقافة والشباب ، والخوف هنا هو ان البيروقراطية الثقافية في صراع مع الرغبات الثقافية الحية والطازجة التي تزخر بها طاقات شباب اليوم صانعي المستقبل . و ما ألاحظه هو أنه من الشباب من يحب ان يمثّل دور المسكين ، في الوقت الذي عليه ان يمثل صاحب الحق و عليه أن يفتك حقه الان الآن ، لا ان ينتظر من يأتي له بحقه على طبق . خصصت قصيدة في مجموعتك الأخيرة قصيدة للشهيد شكري بلعيد ، فما هي علاقة المنصف المزغني بشكري بلعيد؟ أنا ليست لي علاقة شخصية بشكري بلعيد، التقينا مرة واحدة في التلفزيون لكني اعرف شكري بلعيد من سنوات ، أسمع عن مواقفه كسياسي، ثم اكتشفت فيما بعد انه شاعر، و صدر له ديوان شعري. انطلقت قصيدتي عن شكري يوم وفاته ، كما انطلقت عام 1987 قصيدتي عن الفنان الفلسطيني ناجي العلي الذي اغتالوه في لندن ، المبدأ هنا واحد والقاسم المشترك واحد وهو رفض العنف الجسدي ، وإيماني بان الفكرة هي التي تغتال الفكرة ولا تغتال صاحبها ، القصيدة انطلقت مع شكري من فجيعتي بتونس ، وبالمسار التي صارت او سارت فيه هذه الثورة او هذا الانقلاب او هذا الياسمين ، هو رفضي لمبدأ الاغتيال السياسي, كيف نوجه طلقة في راس في وضح النهار ، وكيف يختفي القاتل، وكيف صارت تونس حديقة للجواسيس والقتلة ؟ نحن في بلد لم نتعوّد على الاغتيالات و ربما لم نعش هذه اللحظة في تونس منذ اغتيال فرحات حشاد. إذا هذه القصيد هي ضد الاغتيال السياسي و ليس فقط في شخص شكري و علاقتك بالصغير اولاد حمد؟ هي علاقة أخوة في الشعر و السخرية و الأمومة "تونس" و أخوة كذلك في الموقف السياسي العام، و ليس الموقف الحزبي ، و لكن ما يجمعنا كثير ولا يفهمه السياسيون ولا النقابيون و سيظهر لاحقا في وثائق وشهادات ، وفي مناسبات و تتلخّص هذه العلاقة في عنوان القصيدة " أخي الشاعر اولاد حمد". و للإشارة فإنه كان هناك صراع مزعوم بيني و بين أولاد أحمد لتغطية ما هو سياسي ، و هذا الصراع مختلق ليس بيننا فقط ، بل هناك أشكال كثيرة للاختلافات و الصراعات بين الفنانين أو الممثلين هي في الحقيقة صراعات مختلقة لتغطية قضايا أساسية في المجتمع، فكنا نرى خلافات بين أمينة فاخت و صوفية صادق ، أو بين الامين النهدي و منجي العوني ونصر الدين بن مختار أو بين صالح جغام ونجيب الخطاب ، وغيرهم من الأسماء في الساحة الفنية والرياضية في تونس, و كان لابد للصحافة أن تملأ اعمدتها بمثل هذه الأخبار . كتبت قصيدتين في المرزوقي فهل كانتا هجاء أم سخرية؟؟ كتبت فيه " رئيس لا يصلح للهجاء " و الأخرى " ساكن قرطاج الساكن" و هنا أقول أن الهجاء هي أقسى درجات السخرية ، أردت أن أقول أن ما كان مركزيا في سلوك الرجل هو انه كان مبرمجا دماغه الذي يضيق ذرعا بأي شيء خارج موضوع رئاسة تونس. و القصيدة لاقت حفاوة حتى ممن انتخبوا المرزوقي كما لاقت الرفض. ".ما الذي صنع جماهيرية المزغني؟ أسلوبه الساخر أم حضوره أم ماذا؟ لنقل كل ذلك معا ، واشياء اخرى لا يتسع لها الحوار ، مع الالحاح على غياب الدعم الحزبي و النقابي ، بل أكثر من ذلك لي أعداء من الجانبيْن . - كيف ؟ لقد سبق للاتحاد العام التونسي للشغل ان احتفل " وأقام تظاهرة عنوانها ( الشعر واحداث 26 جانفي 1978 ) ولم تتم دعوتي، والحال أني الشاعر الذي كتب اشهر قصيدة لتخليد هذا الحدث ، وهي قصيدة " عيّاش " ثم كنت كتبت قصيدتي في شكري بلعيد و لم تتم دعوتي لإلقائها ، او حتى لبرمجتها منذ الذكرى الاولى 2013 الى الرابعة 2017. - وهل لهم علم بالقصيدة - هم يعلمون بالقصيدة ، نشرت في جريدة ( القدس العربي) وجريدة المغرب ونشرت في التلفزيون ( حَنْبَعل ) وفي اليوتيوب ، و انا انزههم عن الجهل لكني لا ألومهم ، ولا انزههم عن برمجة اقصائي للاحتفال بشكري بلعيد الذي يتجاوز حجمه الجبهةَ الشعبية.