هو سؤال يتكرر باستمرار في كل سنة ؟ ويعاد طرحه بمناسبة قرب عيد الفطر المبارك ويتم تذكره في الأيام الأخيرة من شهر الصيام ونذكر به كل الصائمين الذين قضوا شهرا كاملا في أجواء إيمانية وحياة روحانية الكثير منهم قضاه في العبادة وقراءة القرآن واستغله في مزيد التقرب إلى الله والركون إلى فسحة روحانية يحتاجها ويفتقدها في أيامه العادية والبعض الآخر كان رمضان بالنسبة له مناسبة للسهر في لعب الورق وشرب النرجيلة إلى الساعات الأولى من الفجر أو الاحتماء بالبيت ودفء العائلة ومشاهدة ما لذ وطاب من أطباق الدراما التونسية التي تحمله إلى عوالم الإجرام والخيانات والمخدرات والعنف وكل القضايا المجتمعية التي لا تطرح إلا في رمضان أو أنها تطرح عمدا في هذا الشهر.. يعاد هذا السؤال لنقول ماذا بقي من هذا الشهر ونحن نستعد لاستقبال حياتنا العادية ؟ فهل من تواصل لانجازات هذا الشهر مع باقي أشهر السنة الأخرى ؟ وكيف نفهم الالتزام بهذه الشعيرة في علاقة بباقي الشهور الأخرى ؟ و أخيرا لماذا نصوم هذا الشهر ؟ يتحدث القرآن على أن الصوم عبادة قد عرفتها الكثير من الأمم قبل الإسلام وشعيرة ظهرت عند الكثير من الأقوام غير المسلمين قال تعالى « يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون « البقرة / 182 والسؤال إذا كان الصوم معروفا عند غيرنا فلماذا نصومه نحن المسلمين ؟ وأين التميز والإضافة في صوم المسلمين عن غيرهم من الأمم والشعوب الأخرى؟ إن الواضح أن الإضافة التي جاء بها الإسلام هي في ربط فعل الصوم والامتناع عن الأكل والشرب والشهوات الأخرى بمسألة « التقوى « التي لم تكن مطروحة عند غيرنا لقد كان صومهم من دون بعد ايماني رقابي وجداني ومن دون استحضار لمكانة الإله ومن دون بعد عملي وتأثير على الواقع وعلى السلوك والمعاملات وهذا يعني أن فهم القرآن للصوم هو فهم يجعل من عملية الصوم عملية تربوية لإصلاح الفرد وتقويم السلوك والخلل وكل الاعوجاج البادي على الشخصية وهو بمثابة تدريب وتأهيل وإعداد لاستئناف الحياة بعقلية وذهنية وشعور مختلف من أجل أفراد بأقل أخطاء ومجتمع بأقل فساد. فالتقي في المجتمع هو ذلك الفرد الذي يرتكب أقل أخطاء وأقل فساد وأقل انحرافات والتقي في المجتمع هو الذي لا يسرق ولا يرتشي ولا يتحايل والتقي في المجتمع هو ذالك الفرد الذي لا يغش في التجارة ولا يتلاعب بالبضاعة ولا يدلس في الوثائق ولا يستعمل نفوذه من أجل جلب مصالح خاصة التقي في المجتمع لا يخون ولا يغدر ولا يتستر عن الجرائم التقي في المجتمع فرد صالح يقوم بواجباته كمواطن له حقوق وعليه واجبات التقي في المجتمع هو ذالك الفرد الذي يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على أية خطوة ويستحضر في كل وقت الله الرقيب الحقيقي عن أفعال العباد التقي في المجتمع هو الفرد الذي حضور عالم الغيب في حياته منسوبه كبير ورقابة الله له حضورها أقوى من رقابة الحاكم ومؤسسات الضبط الأمني هذا التقي الذي يسعى الصوم إلى صناعته يتم اعداده في شهر الصيام ويتم صياغته بقيم الصوم ويتم تربيته في أيام معدودات ولكنها مركزة وعميقة. ما يقي من شهر رمضان هو كل هذه المعاني فإذا لم نستحضر كل هذا الفهم ونحن نستعيد حياتنا العادية ولم نوظف ما تربينا عليه وما تعلمناه من منهج الصلاح والاستقامة عندها لا تكون هناك جدوى ولا فائدة من صومنا وامتناعنا عن المباحات والتزامنا بالطاعات . ما قيمة الصيام إذا لم يكن له تأثير في حياتنا وما جدوى هذه العبادة إذا لم يتعد أثرها باقي الشهور الأخرى فالغاية في الأخير من الصوم خلال شهر الصيام ليس أن يبقى مفعوله وتأثيره منحصرا في هذه المدة الزمنية فحسب وإنما المقصد الكبير هو أن يتعدى تأثير هذه الشعيرة بكل حمولتها الروحية والإيمانية وتلقي بضلالها على السنة كلها من أجل صلاح الأفراد والمجتمع . « لعلكم تتقون « عنوان برنامج لمرحلة ما بعد شهر رمضان وخط سير لمشروع كيف يتعامل المجتمع وكيف يتصرف أفراده في الأيام العادية فالصوم يتعدى مجرد عبادة في فترة زمنية قصيرة إلى منهج حياة ونظام معاملات وطريقة في السلوك تحكم الجميع في باقي أشهر السنة . ماذا بقى من رمضان هو سؤال مهم نطرحه كل سنة في أواخر أيام شهر الصيام لنؤسس رؤية وطريقة في إصلاح المجتمع من الداخل ونضع تربية للناس على الاستقامة والصلاح فالفساد في الأخير هو سلوك فردي وعقلية وثقافة وبنية ذهنية وشعيرة الصيام جاءت لتؤسس منهجا لمقاومة كل ذلك.