هذه النرجيلة التي تحمل فوق رأسها تاجا ، يكاد كل قلعي يحملها فوق تاج راسه مفاخرا، اذ انه قبل ان يسال عن الاحوال والحال والامر والامور والخفي والمستور وما شاع ويشاع وقيل وقال ويقال ،يسال عن الشيشة التي بدونها تنعدم الجلسة ويذوب السؤال في مهده ، اذ ان صاحبة الشان العظيم تكاد لا تفارق مجالسه ، من مطلع الفجر الى غروب الليل ، وهذه الملكة المتوجة ، التي تاكل من وقت القلعي الشيء الكثير ومن ماله ميزانية لا يستهان بها ، تتربع على عرش القلعة من اقصاها الى ادناها ، وتكاد تحتل المقاهي العديدة ، والنرجيلة او الشيشة التي تغنى بها الشعراء وتغزلوا بها منذ القدم ، عادت كاحلى ما تعود العاشقة من بعد طول غياب ويكاد كل قلعي يلثم ثغرها المتبسم ثلاث مرات في اليوم الواحد، والقلعي ، بداية من سن المراهقة يمكن ان يشارك اباه او اخاه ، في البداية ولو خفية وخيفة واحتراما وتقديرا ،كيف الشيشة المهووس به الرجال في مرحلة اولى ، وهي علامة – رجولية – مسجلة ، قلعية ، وهنا اسال الاولياء : لماذا تضربون اطفالكم حين يدخنون السقائر وتسمحوا لهم بتدخين النرجيلة ؟اليس هذا الصنيع من نبع ذاك التشريع ؟ ولو قمنا باحصاء دقيق في هذا الميدان لوجدنا بانه بكل بيت شيشة ، هذا اذا لم نقل ان بعض عشاقها صاروا يدخرون منها ثلاثا او اربعا للمحافل الكبرى ، حتى ان احدهم ردد على مسامعي ذات مرة : " ما المانع ان تصبح الشيشة من متممات جهاز العروسة ؟ " اذا كانت على علم بحب خطيبها وزوجها بها "؟ والنرجيلة لا تكاد تفارق الفلاح كذلك في تنقلاته الى الغابة ، اذ انه خلال سفرات جني الزيتون في الصباح الباكر ترى النرجيلة والعة تقرقر على الكريطة؟.. والشيشة لم تراهن على الشبان فقط ، اذ انها كذلك عانقت الشيوخ ، فكم من شيخ تراه منزويا في المقهى يجذب من نرجيلة جديدة كانه شاب صغير ، ويترشف على انغامها كاس شاي اخضر... وفي عصر سقطت فيه الاخلاق الى درجة وضيعة ، اصبح الشاب الصغير يدخن النرجيلة على مرأى الكبار في المقهى ، ولا احد يردعه ولا احد يرده عن غيه ، بتعلة ان النرجيلة مضارها اقل خطورة من الدخان ؟ وربما هيبتها تبعد عن الشكاكين ضررها؟ وهذه الشيشة دخلت الافراح من بابها الكبير، اذ ان صاحب الفرح او العرس ليلة السهرية ، قبل كل شيء يجب عليه ان يهيء الطمباك والجيراك وفريقا كاملا من النرجيلات حتى يكثر المعازيم ويطول السهر ، وحتى ان تناسى صاحب العرس ذلك ، فإن الساهرين والمدعوين يضطرون الى مصاحبة نرجيلاتهم مبجلين ومبجلات حتى تعم الفائدة ويحلو السمر ويتمطط السهر.. والظاهرة لم تقف عند هذا الحد ، اذ تجاوزت الافراح والمسرات لتدخل المآتم مبجلة مكرمة ، فحتى المعزين يفضلون معانقة الشيشة خلال سهراتهم حتى تعم الفائدة ويذوب الحزن والتأسف مع قرقرات النرجيلة.. وهكذا تدخل صاحبة التاج ، الشيشة العصر الحديث من بوابتيه الكبيرتين : بوابة الفرح وبوابة الحزن ، ولله في خلقه شؤون، وصدق من قال ان القلعة مدينة العجائب والغرائب...