لقد كثر الحديث واشتد وتمدد وطال وتعددت وتنوعت الشهادات والأقوال في مسالة تزوير الانتخابات التي قيل انها وقعت في العهد الماضي عهد بورقيبة وبن علي.. ولكنني لا اظن ان المسالة تحتاج الى تنصيب محكمة أو احضار شهود ولا الى قضاء القاضي بل يمكن تلخيص هذه المسالة في بعض الكلمات.. وبعض الملاحظات لا ينكرها ولا يردها من عاشوا من فهموا حقا ما كان واقعا وثابتا في تلك السنوات.. وأول كلمة يجب ان تقال في هذا النطاق ان شخصية بورقيبة وحزبه كانوا هم الأغلبية في هذه البلاد ولم تكن اي شخصية اخرى تعارض بورقيبة ولا حزب اخر غير حزبه قادرون على هزمه في الانتخابات أو قهره ولقد عبر ادريس دقيقة وزير بورقيبة السابق في شهادته ما يوضح هذا الأمر وهذه الحقيقة عندما نقل عن بورقيبة قوله لما حدثوه عمن سيعارضه ويقلقه في الانتخابات(ومن يجرؤ على الوقوف في وجه بورقيبة؟).. لقد صدق بورقيبة والحق يقال فيما صرح وفيما قال فالذين عاشوا عهد بورقيبة يعلمون علم اليقين ويشهدون انه لم تكن هناك شخصية قد ملأت عيون التونسيين مثل شخصية بورقيبة مهما اختلفوا معه في شؤون الدنيا او في شؤون الدين فقد كان خطاب واحد من بورقيبة مهما أخطأ قادرا ان يقلب الموازين لفائدته في اسرع وفي اقرب حين.. ويكفي أن نذكر ثورة الخبز التي وقعت في عهده وكادت تعصف بالبلاد لكن سرعان ما اعاد بورقيبة الامور الى نصابها باقصر واوجز خطاب ثم ان كل الشخصيات السياسية التي كان يمكن ان تهدد مكانة بورقيبة وتزلزل عرشه في هذه البلاد قد فارقت قبله الحياة وقبل ان تخون بورقيبة صحته وتضعف امام الناس قوته وسطوته. اما عن حزب بورقيبة فاننا نشهد والحق يقال انه لم يكن في تلك الفترة حزب اخر قادرا على الوقوف في وجهه وان ينازعه في حبل او في عقال، فالشيوعيون مثلا الذين يريد البعض ان ينفخ في صورتهم اليوم ويعتبرهم قوة قد هددت بورقيبة وحزبه كانوا قليلين بل كانوا بين اغلب التونسيين من المنبوذين ومن المكروهين خاصة من حيث موقفهم من الدين، ولم نر لهم زعيما قويا يذكر قادرا حقا على منافسة بورقيبة وان يزمجر امامه او يكشر. اما عن الاسلاميين فلم يشتد عودهم الا في اول الثمانينات عندما بلغ بورقيبة ارذل العمر ولم يعد له تلك القوة التي كانت له في اوائل الستينات ورغم ذلك فان بورقيبة اراد ان يعاملهم بسياسة دهائه المعروفة المعلومة الا ان اعوانه كان لهم راي اخر يلخص في استخدام الاسلاميين للاطاحة ببورقيبة والاستحواذ على كرسيه وارثه بطريقة واضحة مفهومة. اما عن عهد زين العابدين الذي فاجأ التونسيين جميعا في الاطاحة ببورقيبة عميد وزعيم السياسيين فان التونسيين والحق يقال قد فرحوا بانقلابه على بورقيبة باعتباره قد انقذه وانقذ الشعب كله من قيادته المترنحة المرتعشة للبلاد، وهذا طبعا ما جعله في اعين التونسيين في مقام المغامر الشجاع وفي مقام الفارس البطل ثم ان بن علي كان ذكيا فقد استحوذ على حزب بورقيبة الجاهز المنظم واستفاد منه ايما استفادة في تثبيت اركان سلطته.. ونظن انه بذلك قد استطاع ان يضعف المعارضين وان يكسب اصوات عدد كبير من التونسيين كما نشهد انه لم تكن في عهد بن علي شخصية قادرة ان تقف في وجهه ولا في وجه حزبه القوي الشديد في الانتخابات، وذلك تقريبا لنفس الأسباب التي تحدثنا عنها في عهد بورقيبة. فبن علي كسب بين عشية وضحاها قوة وشهرة شعبية تعترف له انه الوحيد الذي غلب بورقيبة وقهره بعد طول وتعاقب السنين ثم ان أغلب الشعب لم تكن لكم لهم ثقة في الشيوعيين لاسباب دينية وفكرية لا تخفى على العارفين، اما عن الاسلاميين فقد عرف بن علي كيف يعاملهم باللين حينا وحينا اخر بالقوة او بما يعرف لدى العامة بسياسة ضرب الكف وبتقديم قطعة الحلوى. وخلاصة القول وزبدته ان بورقيبة وبن علي في اول عهديهما لم يكونا محتاجين الى تزوير الانتخابات، فسلطانهما كان ثابتا قويا متمكنا من جميع الاتجاهات ولكن قد يكون بعض التزوير قد وقع في اخر عهديهما ولكن ذلك لم يجد نفعا في بقاء وصمود سلطانهما لان دوام السلطة من المحال الممتنع سواء اوقع التزوير في الانتخابات او لم يقع الم يقل ذلك الحكيم لهارون الرشيد وهو يعظه موعظة لا يعتريها اي تشكيك او اي شك (لو دامت لغيرك ما وصلت اليك).. أو لم يقل تعالى لمن يريدون ان يتمسكوا بالحكم سنينا وسنين ولمن ينتظرون الوصول الى الحكم في اقرب آن وفي اسرع حين في كتابه المبين الذي نزل هداية للناس بالبيان والتبيين(وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين امنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين) وها اننا قد راينا وسمعنا القائلين انهم كانوا من المظلومين في الانتخابات البائدة قد وصلوا الى الحكم اليوم وكانوا فيها من الفائزين فهل سيتدبرون ويفهمون قوله تعالى في كتابه المكنون( عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون)