إنّ ما جاء في خطاب الرئيس "الباجي قائد السبسي" يوم 13 أوت يعتبر خطابا تاريخيا يعيد الى الاذهان ما كان يردُ في خطب الرئيس "الحبيب بورقيبة" في بداية عهده ولا سيّما فيما تعلق بالمرأة وبالأحوال الشخصية والحريات الفرديّة. واعتقادي أنه حان الوقت، لطرح مثل هذه المسائل التي تخص قيم الحرية في بلادنا في وجهها الحقيقي والشامل وأنّ ما جاء على لسان "الباجي قائد السبسي" بخصوص موضوع المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث وحق المرأة التونسية بالزواج بغير المسلم يُعتبر مكسبا جديدا للمرأة التونسية يجعلها في موضع المرأة الكاملة الحقوق وكاملة الواجبات في مجتمع متحرر. وما جاء في هذه الكلمة إذا ما تجسمت على أرض الواقع ستخلصنا من كل الاشكاليات والقيود التي كبلت الفكر الحر وجمدت تطور المجتمع منذ زمن بعيد حتى من بعض مفاهيم الاسلام لدى من يجهل مقاصده جاعلا منه حجر العثرة أمام التقدم ومنح الانسان كل حريته. ومساواة المرأة في الميراث وزواجها بغير المسلم لا يمكن أن يجعلنا نعوض بهذه المواقف مواقف أخرى كالتشغيل والأمن والازدهار الثقافي والاجتماعي. فكل موضوع يسير مع المواضيع الاخرى ولا يعوض الواحد منه الآخر. ولا يجب أن تكون إثارة هذه المواضيع مسا من الاسلام الذي هو دين أغلب التونسيين كما يعتقد العديد منهم ومن مثقفيهم أنّ الوقت غير مناسب وعلينا إرجاء الحديث في الموضوع الى وقت آخر... فطرح هذا الموضوع على اساس أن الحرية والمساواة قيمة من القيم الكبرى وليس إثارتها لأسباب أخرى الانتخابية منها أو ذرائع أخرى أو مناورات مختلفة. فتونس تحتاج اليوم الى حوار معمق وتقدمي لمثل هذه المواضيع بعيدا عن الاتهامات والتعصب المجاني. وعلى كل وفي نهاية الامر فان المسؤول مدعو الى التقدم على الجماهير لا ان يسير وراءها... المرحلة تقتضي اليوم في اعتقادي أن تلعب النخب النيّرة والنساء المتطلعات لمستقبل دورا اعتمادا على واجباتها وحقوقها كاملة بلا نقصان واتخاذ مواقف واضحة بعيدا عن كل اشكال الاحراج والتنسيب الاخلاقي والديني والمجتمعي.
فالحرية كلّ متكامل لا تقبل التزوير وتونس اليوم امام أفكار جديدة وجب أن نعالجها بحلول جديدة وقيم بعيدة عن منطق المؤامرة والتلهية السياسية. إنّ تونس على درجة من الثقافة الانسانية والاجتماعية تسمح لها بأن تأخذ مكانها بين الامم الناهضة والمتقدمة. وسيكون هذا الموضوع بعد التوافق عليه إن شاء الشعب وممثليه ميلادا جديدا لمجلة الاحوال الشخصية. وفي انتظار موقف حركة النهضة من هذا الموضوع نرجو أن يتعمق الحوار وتتسع دائرته حول هذا الموضوع كما غيره من المواضيع الأخرى الحيوية. بقي لي ان أشير في نهاية هذه المدونة التعليق على رد الفعل المتشنج للأزهر الشريف في تكفير تونس وهو الذي منذ سنوات عديدة لم يكفر التنظيم الاجرامي الارهابي. وهذا هو السؤال الحقيقي الذي كان على الازهر طرحه عوض السماح لنفسه بالتدخل في شؤون دولة مسلمة مستقلة وذات سيادة.