قرأنا في صالون جريدة الصريح مقالا يجيز فيه صاحبه زواج المسلمة من غير المسلم مخالفا في ذلك اجماع الامة الاسلامية ومما جاء فيه حرفيا( ...هذا التفصيل الدقيق دفع الشيخ محمد الطاهربن عاشور الى القول( فبقي تزويج المسلمة من الكتابي لانص عليه ومنعه جميع المسلمين اما استنادا منهم الى الاقتصار في بيان التشريع واما ادلة من السنة ومن القياس وسنشير اليه او من الاجماع وهو اظهر) (والمستفاد من قول الامام ان هذا النوع من الأنكحة بين المسلمة والكتابي لا نص على تحريمه )( راجع المقال بتاريخ22/8/2017). لقد كنا نود من باب الأمانة العلمية لو أن صاحب المقال لم يكتف بذلك الجزء الذي ذكره من تفسير الشيخ ابن عاشور للاية 221 من سورة البقرة التي ذكرها في مقاله وانما ذكر أيضا فقرة اخرى من تفسير الشيخ لهذه الآية والتي يبين فيها حكمة الله من تحريم زواج المسلمة من الكتابي والذي يدل دلالة واضحة على موافقة الشيخ لاجماع الأمة الاسلامية على حكم تحريم هذا النوع من الزواج حتى لا يتوهم القراء ان الشيخ خارج لا سمح الله عن هذا الاجماع والذي يقول فيه الشيخ(...فاباح الله تعالى للمسلم ان يتزوج الكتابية ولم يبح تزويج المسلمة من الكتابي اعتدادا بقوة الرجل على امراته فالمسلم يؤمن بانبياء الكتابية وبصحة دينها قبل النسخ فيوشك ان يكون ذلك جالبا اياها الى الاسلام لانها اضعف منه جانبا واما الكافر فهو لا يؤمن بدين المسلمة ولا برسولها فيوشك ان يجرها الى دينه لذلك السبب وهذا كان يجيب به شيخنا الأستاذ سالم بوحاجب عن وجه اباحة تزويج الكتابية ومنع تزوج الكتابي بالمسلمة(التحرير والتنوير ص363 المجلد الاول الجزء الثاني)... فالمستفاد من هذا المقتطف ان الشيخ ابن عاشور واستاذه الشيخ سالم بوحاجب لم يخرجا عن اجماع علماء الأمة الاسلامية على تحريم زواج المسلمة من الكتابي ذي الديانة اليهودية او الديانة المسيحية كما اننا لانظن ان صاحب ذلك المقال اعلم بالحلال والحرام والجائز والممنوع من هذين الشيخين بلاشك ولا جدال ولا نقاش ولاخصام كما لفت نظرنا في ذلك المقال قول صاحبه وهو يروي ما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم مع صهره ابي العاص بن الربيع ليؤكد جواز بقاء المسلمة في عصمة زوجها الكافر(...والمستفاد مما ذكران زينب ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم رغم اسلامها بقيت في عصمة زوجها المشرك الذي حارب في بدر ضد المسلمين ووقع في الاسر وافتدته ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم اطلق سراحه ورد عليها فديتها...).. ونحن نقول له وهل من باب الأمانة العلمية ان تروي قصة مبتورة من خاتمتها التي ذكرتها كتب السيرة والأحاديث النبوية؟ فاين ترك صاحب المقال بقية تلك الرواية والتي جاء فيها(واخذ النبي على ابي العاص ان يخلي سبيل ابنته زينب اليه فوعده ذلك وفعل (حديث اخرجه ابو داود والواقدي) وقد مدح الرسول عليه الصلاة والسلام صهره العاص بعد اسلامه يوما فقال (حدثني فصدقني ووعدني فاوفى لي) كما لفت نظري قول صاحب المقال محتجا بما جاء في المؤطا لجواز زواج المسلمة من غير المسلم(ان صفوان بن امية خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافر فشهد حنينا والطائف وهو كافر وامراته مسلمة ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين امراته) ونحن نسال صاحب المقال لماذا لم تكمل قراءة بقية ماجاء في هذا الباب لتفهم حكمة الرسول من ذلك الصنيع ؟ اولم يحدث مالك بن انس عن ابن شهاب انه قال (كان بين اسلام صفوان وبين اسلام زوجته نحو من شهرين ولم يبلغنا ان امراة هاجرت الى الله ورسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر الا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها الا ان يقدم زوجها مهاجرا قبل ان تنقضي عدتها) (تنوير الحوالك شرح على موطا مالك ص76 الجزء الثاني تاليف جلال الدين السيوطي دار المكتبة العلمية) فهل نسي صاحب المقال ان رسول الله مسيروموجه بالوحي الالاهي وانه علم ان صفوان سيسلم في القريب العاجل فهل من الحكمة ان يفرق بين زوجين لاختلاف في الدين لن يدوم غير شهرين ؟.. وهل نسي صاحب المقال ما قاله بن شهاب في التعليق على ما وقع بين الرسول وصفوان وهل يعقل ان ينكرمسلم عاقل ما فهمه علماء الاسلام واجمعوا عل العمل به منذ سالف العصور وقديم الزمان؟ كما لفت نظري ماقاله صاحب المقال(زواج المسلمة من غير المسلم مباح شرعا رغما عن اجماع العوام وهرجهم) ونحن نذكره من باب وذكر فان ذكر تنفع المؤمنين ان الاجماع على تحريم زواج المسلمة من غير المسلم لم ينشا يوما عن هرج ولغط العوام وانما مصدره اجماع الصحابة الكرام والتابعين الأعلام وعلماء الاسلام ويكفي ان اذكره ببعض أسماء هؤلاء العلماء الذين بلغ صيت علمهم اطراف الأرض وعنان السماء فمن هؤلاء الامام القرطبي الذي قال( واجمعت الأمة على ان المشرك لا يطا المومنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الاسلام (الجامع لاحكام القران الجزء الثالث ص72 ) كما قال الامام الرازي(ان المؤمنة لا يحل تزوجها من الكافر البتة على اختلاف انواع الكفرة) (التفسير الكبير الجزءالسادس ص64) كما قال الامام الشافعي(فالمسلمات محرمات على المشركين منهم بالقران بكل حال وعلى مشركي اهل الكتاب لقطع الولاية بين المسلمين والمشركين وما يختلف الناس فيما علمته) (احكام القران للشافعي ص189 )ونختم بما قاله الامام مالك الذي شرح للمسلمين الدين وانارلهم الطريق في الظلمات والحوالك( الا ترى ان المسلمة لا يجوز ان ينكحها النصراني او اليهودي على حال...ولو ان نصرانيا ابتدا نكاح مسلمة كان النكاح باطلا)( المدونة الكبرى الجزء الرابع ص301). اذا فالمستفاد بعد هذه النظرات ان صاحب المقال هو أول مسلم على ما أظن خرج ورد وانكر اجماع علماء المسلمين منذ سالف السنين على تحريم زواج الكفار والمشركين والكتابيين من النساء المسلمات دون حجج متينة ودون قول متين اوليس من حقنا والحالة تلك ان نعتبر خروجه وانكاره هذا عجبا عجابا او غريبة من الغرائب التي نزلت ببلادنا في هذه الفترة العجيبة المريبة والتي يصدق فيها ما قاله بيرم التونسي رحمه الله(يا قعدتك في بر تونس كل يوم تسمع غريبة)..