يغفل "الثورجيون" الذين غمروا الساحة، خلال ما يقرب عن سبع سنوات، بضجيجهم الذي لا يهدأ، عن حقيقة ساطعة مفادها أن جنوحهم إلى إستقطاب الإنتهازيين و"قلابي الفيستة" والعائدين من أنفاق الماضي الملوث بدنس ممارساتهم الوضيعة، يساهم في تشكيل النواة الأولى للثورة المضادة، كما حدث في الكثير من الأمكنة والأزمنة، وخاصة في ألمانيا وإيطاليا مع بداية سنة 1848 عندما تحالف الثوار مع أصحاب الأجندات الإنتهازية والمصلحية الإنتفاعية لمواجهة الجماهير الشعبية المحبطة والمصابة بخيبة أمل. لا شك أن كل ثورة معرضة لثورة مضادة هدفها إستباق الأحداث وصيانة المصالح والمكاسب على حساب الشعارات والقيم التي أغرت الشعب ورفعت من سقف أحلامه وطموحاته. من هذا المنظور يعتبر التوظيف الممنهج لرموز النظام السابق الذين تنكروا لماضيهم وارتموا في حضن من كانوا بالأمس القريب خصومهم، مظهرا من مظاهر الثورة المضادة بتآمر مفضوح ممن ينسبون أنفسهم لما يسمى بالثورة، وهم الذين ينطبق عليهم وصف رجيس ديبريه "خونة المستقبل". إن وقائع الثورات عبر التاريخ مليئة بالعبر التي يجهلها الثورجيون الجدد ويعجزون عن إستيعابها والإستفادة منها.