ان ما دفعني الى كتابة هذا المقال في الرد مرة اخرى على الدكتور احمد ذياب هو انني ارى كما يرى غيري من العقلاء ان ما يكتبه هذا الدكتور في مجال المسائل الدينية معتبرا نفسه فيها قد بلغ الكمال او ما يقرب درجة الكمال هو في الحقيقة غير سالم وغير ناج من المعارضة ومن النقاش ومن الجدال، وآية ذلك مقاله الاخير في حريدة الصريح الذي اختار له عنوان(ادم بين الصلب والترائب) راجع صالون الصريح ليوم(9/10 /2017). فأول ما يلفت نظرنا دينيا في هذا العنوان ان صاحبه لم يفكر فيه جيدا ولم يتقن صياغته كما يجب ان تكون الصياغة وكما يجب ان يكون الاتقان فابونا ادم عليه السلام كما يعلم جميع المؤمنين بالاديان السماوية لم ينشأ ولم يخلق لا من الترائب ولا من الصلب وانما خلق وجاء الى هذه الدنيا وهذا الوجود بكلمة الله سبحانه وتعالى او بكلمة الرب الذي يقول للشيء كن فيكون والذي قال في كتابه المكنون( ان مثل عيسى عند الله كمثل ادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون)ال عمران الآية الثامنة والخمسون فواضح من هذا الكلام الرباني الصادق الموزون ان ادم عليه السلام لم يخلق من الصلب ولا من الترائب ولا هم يحزنون كما يقول جناب وحضرة الدكتور في ما كتب في ذلك المقال المشار اليه من سطور (ان امربعض المصطلحات الواردة في النصوص الدينية...محير فعلا كيف نقراها كيف نفهمها...نفهمها من خلال شرح وتفسير من مرجع ديني ما ...ام من خلال العقل والعلم والحضارة الانسانية وما تعرف عليه البشر واثبت علميا...وما شاهده الانسان بالعين المجردة او حتى تحت المجهر...؟ ونحن نقول لجناب الدكتور مع الأسف الكبير كأنك قد وقعت ضحية الغفلة او التقصير أو شيء من قلة التفكير أو شيء مثله من سوء التقدير فقد يصح كلامك هذا في الحديث عن تفسير المصطلحات الواردة في النصوص الدينية اليهودية والمسيحية التي لا تعترف بالعقل ولا تفتح امامه أي طريق أو أي مسلك او أي ثنية. اما النصوص الدينية الاسلامية فهي ترحب وتحتفي بل وتطلب وتحث على اعمال العقل فيها والاستعانة باخر ما توصل اليه العلم من فتوح وكشوفات وما يشاهده الانسان بعينه المجردة او باعتماد الوسائل والآلات كالمجاهر والمكبرات والعدسات أو لم يمر الدكتور فيما قرأه من الكتب والكراسات بمن تحدثوا عن علاقة القران الكرم بالعقل ورفعه الى منزلة القاضي في كل المسائل واعتبار احكامه المعللة هي الحكم النهائي وهي القول الفصل فان كان جناب الدكتور في شك وريب مما اقول فليستمع ولينتبه لما قاله صاحب هذه السطور في هذا المقام وفي هذا الشان وهو الكاتب عبد الكريم الخطيب في كتابه(الانسان في القران)(تحدث القران الكريم عن العقل من حيث الوظيفة التي يقوم بها وهي التعقل والتذكروالتفكر والتدبرفقال تعالى(هو الذي انزل من السماء ماء لكم منه شراب ومن شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات ان في ذلك لاية لقوم يتفكرون) النحل10/11 فالتعقل والتفكر والتدبر والتذكر كلها من معطيات العقل)ص28/29 اولم يسمع حضرة وجناب الدكتور بما قاله الامام الغزالي الملقب بحجة الاسلام منذ عصور ومنذ زمان فقد قال للطاعنين والمرجفين والحاقدين والمكذبين بعلاقة الدين بالعقل من باب الجهل او من باب الخبث والبهتان(المعرض عن العقل مكتفيا بنور القران مثله كمثل من يتعرض لنور الشمس مغمضا للاجفان فلا فرق بينه وبين العميان فالعقل مع الشرع نور عل نور(كتاب الاقتصاد في الاعتقاد(3) اما قول الدكتور بل نقده لتفاسيرالمراجع الدينية ورده لما او لاكثر ما جاء فيها بحجة اختلافها فاننا نقول له بمختصر وموجز الكلام ان اصحاب هذه التفاسيرالسابقين او القدماء قد اعتمدوا على علوم وثقافة عصورهم واجتهدوا ما امكنهم الاجتهاد باعبارهم بشرا يخطئون ويصيبون ولا نظن ان العقلاء والباحثين المنصفين يعيبون عليهم ذلك اوعليهم يلومون او لم يقل عليه الصلاة والسلام منذ قديم الزمان من اجتهد واصاب فله اجران ومن اجتهد ولم يصب فله اجر واحد؟ وكم حز في نفسي ان يذكرالدكتور بعض اراء ومواقف المفسرين في قوله تعالى(يخرج من بين الصلب والترائب) بشيء من التهكم والاستهزاء غير مقدر وغيرمتذكر وغير واع بان هؤلاء المفسرين ينتمون الى عصور سابقة قديمة سحيقة بعيدة عنا كبعد الأرض عن السماء ولعل مثله في ذلك كمثل من يلوم الانسانية في العصور القديمة البدائية ويسال وهو في حية وفي ذهول لماذا كانوا يتنتقلون ويسافرون ويقطعون المسافات على الجمال وعلى الخيول ويتركون ركوب السيارات والحافلات والقطارات؟ كما حز في نفسي وحيرني اكثر واكثر غفلة جناب الدكتور في بحثه عن تفسير تلك الاية عن اعتماد كتب التفسير المعاصرة التي اعتمدت اخر صيحات العلوم العصرية في فهم وتفسير تلك الآية العظيمة القرانية واني لارجو ان تكون نية دكتورنا في كل ذلك سليمة غير سيئة وغير وخيمة وعلى كل حال ومهما تكن خفايا وخبايا ونوايا ما في نفس الدكتور من غايات ومن امور فاني ساحيله على تفسير الشيخ الطاهر بن عاشور لاية الصلب والترائب في تفسيره التحرير والتنوير لعل حيرته تنقص او تزول وتحظى النصوص الدينية والنصوص التراثية عنده بالرضا وبالقبول يقول الشيخ في تفسيره لقوله تعالى من سورة الطارق(فلينظر الانسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب)...واطنب في وصف هذا الماء الدافق لادماج التعليم والعبرة بدقائق التكوين ليستيقظ الجاهل الكافر ويزداد المؤمن علما ويقينا ووصف انه يخرج من (بين الصلب والترائب) لان الناس لا يتفطنون لذلك والخروج مستعمل في ابتداء التنقل من مكان الى مكان ولو بدون بروز فان بروز هذا الماء لا يكون من بين الصلب والترائب والصلب العمود العظمي الكائن في وسط الظهر وهو ذو الفقرات والترائب جمع تريبة ويقال تريب ...والترائب تضاف الى الرجل والى المراة ولكن اكثر وقوعها في كلامهم في اوصاف النساء لعدم احتياجهم الى وصفها في الرجال وقوله يخرج من بين الصلب والترائب الضمير عائد الى ماء دافق وهو المتبادر فتكون جملة يخرج حالا من ماء دافق اي يمر ذلك الماء بعد ان يفرز من بين صلب الرجل وترائبه ...اي ان اصل تكون ذلك الماء وتنقله من بين الصلب والترائب وليس المعنى انه يمر بين الصلب والترائب اذ لا يتصور ممر بين الصلب والترائب لان الذي بينهما هو ما يحويه باطن الصدر والضلوع من قلب ورئتين فجعل الانسان مخلوقا من ماء الرجل لانه لا يتكون جسم الانسان في رحم المراة الا بعد ان يخالطها ماء الرجل فاذا اختلط ماء الرجل بما يسمى ماء المراة وهو شيء رطب كالماء يحتوي على بويضات دقيقة يثبت منها ما يتكون منه الجنين ويطرح ما عاداه وهذا مخاطبة للناس بما يعرفون يومئذ بكلام مجمل مع التنبيه على ان خلق الانسان من ماء الرجل وماء المراة بذكر الترائب لان الاشهرانها لا تطلق الا على ما بين ثديي المراة ولا شك ان النسل يتكون من الرجل والمراة فيتكون من ماء الرجل وهو سائل فيه اجسام صغيرة تسمى في الطب الحيوانات المنوية ...يكون منها تلقيح النسل في رحم المراة ومقرها الانثيان وهما الخصيتان فيندفع الى رحم المراة ومن ماء هو للمراة كالمني للرجل ويسمى ماء المراة وهو بويضات دقيقة كروية الشكل تكون في سائل مقره حويصلة من حويصلات يشتمل عليها مبيضان للمراة وهما بمنزلة الانثيين للرجل فهما غدتان تكونان في جانبي رحم المراة...واصل مادة كلا الماءين دموية تنفصل عن الدماغ وتنزل في عرقين خلف الأذنين فاما في الرجل فيتصل العرقان بالنخاع وهو الصلب ثم ينتهي الى عرق ما يسمى الحبل المنوي مؤلف من شرايين واعصاب وينتهي الى الأنثيين وهما الغدتان اللتان تفرزان المني فيتكون هناك بكيفية دهنية وتبقى منتشرة في الأنثيين الى ان تفرزها مادة دهنية شحمية وذلك عند دغدغة ولذع القضيب المتصل بالأنثيين فيندفق في رحم المراة واما بالنسبة الى المراة فالعرقان اللذان خلف الأذنين يمران باعلى صدر المراة وهو الترائب لان فيه الثديين وهما من الأعضاء المتصلة بالعروق التي يسير فيها دم الحيض الحامل للبويضات التي منها النسل والحيض يسيل من فوهات عروق في الرحم وهي عروق تنتفخ عند حلول ابان المحيض وتنقبض عقب الطهر والرحم ياتيها عصب من الدماغ وهذا من الاعجاز العلمي في القران الذي لم يكن علم به للذين نزل بينهم وهو اشارة مجملة وقد بينها حديث مسلم عن ام سلمة وعائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن احتلام المراة فقال تغتسل اذا ابصرت الماء فقيل له اترى المراة ذلك؟ فقال وهل يكون الشبه الا من قبل ذلك؟ اذا علا ماء المراة ماء الرجل اشبه الولد اخواله واذا علا ماء الرجل ماءها اشبه اعمامه(تفسيرالتحرير والتنويرص262/264) فهل هذا التفسير العاشوري يا جناب الدكتور تفسير مبني ومؤسس ومستمد من العقل والعلم وما توصلت الى اكتشافه وفهمه الحضارة الانسانية؟ ام هو تفسير مستمد ومؤسس على الأساطير والخرافات التي ينسبها الدكتور الى المخيلات الشعبية؟ ولئن كان الجواب على هذا السؤال سهلا ولا يحتاج لدى الدكتور ولدى العقلاء المنصفين الى علم غزير ولا الى ذكاء وقاد ولا الى ما يسمى بالعبقرية الا انني التمس وارجو من جناب الدكتور صاحب البحوث الغزيرة الكثيرة العقلية والعلمية الحضارية والانسانية ان يقدم لنا رايه وموقفه من تفسير الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لظاهرة الشبه بين الأبناء والآباء حتى نعرف منه زبدة ما توصل اليه في هذه المسالة الباحثون والعلماء الذين لانظن انهم توصلوا الى جواب يقيني ثابت في هذا الموضوع.. ومن يدري علهم بعد زمن بحث طويل عريض يثبتون صدق كلام رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ذي العلم والفهم والذي قال فيه ربنا في سورة النجم( والنجم اذا هوى ما ضل صاحبكم ما غوى وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى علمه شديد القوى) والذي قال ايضا في خصومه ومكذبيه من باب التنبيه والتشهير والتحذير(ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير)