يتعامل السياسيون مع الأوضاع السائدة في هذه المرحلة الحاسمة من مسيرة البلاد بمنطق " إقتسام الغنيمة" دون مراعاة تذكر لشروط والتزامات مسؤولياتهم ، فتتالت فصول المهازل والفضائح والمسرحيات الفلكلورية المقرفة، وتعطلت القوانين والتشريعات وسقطت الوعود في متاهات التسويف وتعددت المظالم حتى انهارت مصداقيتهم لدى الرأي العام . تراكمت الملفات الحارقة وتعددت الأزمات وبدأ التململ يسري في صفوف المواطنين وهم يتساءلون في حلهم وترحالهم عن أسباب هذا الصمت المريب الذي تسلحت به الحكومة لمواجهة الأوضاع المتفاقمة باستمرار : لماذا لا يخرج رئيس الحكومة للمصارحة الشعب بما يحدث في الكواليس وخارجها ويجيب عن تساؤلات المواطنين، والتي تتعلق ب0هتماماتهم ومشاغلهم الحارقة ، كالإرتفاع المشط في أسعار المواد الأساسية وعودة الإرهابيين و"التوبة المزعومة" التي سفهها أخيرا بعض الإرهابيين العائدين بارتكابهم جرائم قتل فظيعة حال عودتهم ، وتنامي نسبة العاطلين عن العمل وتواصل هروب المستثمرين وتعطل رأس المال الوطني وتعدد الإضرابات العشوائية في القطاعات الحيوية بالإضافة إلى الديبلوماسية الموازية التي يمارسها قادة بعض الأحزاب والتصرفات اللاديبلوماسية لرؤساء وأعضاء السفارات والقنصليات المعتمدة ببلدنا، وتقصير بعض وزراء هذه الحكومة في القيام بواجباتهم و العمل طبقا لأجندات أحزابهم ، والموقف الذي يجب إتخاذه من السياسيين الذين دأبوا على تشويه سمعة البلاد في وسائل الإعلام الأجنبية وذلك بإختلاق الأكاذيب ونشر الإشاعات المغرضة والصراعات الملوثة بأوحال الجهويات والإحتقان الشديد في الأوساط الرياضية والقضائية والتربوية والإجتماعية ، لماذا تكتفي الحكومة بالتصريحات المقتضبة والبيانات النمطية التي تزيد الغموض غموضا وحتى التصريح الذي بثه يوسف الشاهد على موقع الحكومة الألكتروني لم يجب عن هذه الأسئلة رغم الهالة التي أحاطت به. لقد وصلنا إلى حد ضاعت فيه بوصلة الجميع، فلا الحكومة إهتدت إلى المسلك السليم ، ولا الأحزاب أبدت نضجا وشعورا بالمسؤولية ولا المنظمات الكبرى تدخلت لإيقاف الإنفلات وحماية مصلحة البلاد، ولا الشعب كف عن المطالبة بالحقوق دون إلتزام بتأدية الواجبات. لقد إختلط الحابل بالنابل وعمت الفوضى الجميع، ليبقى الوطن نازفا . على المسؤولين في السلطة النزول من عليائهم لمجابهة الواقع المتدهور بجدية ومسؤولية ، بعيدا عن الإستعراضات الشعبوية التي لم تعد تنطلي على أحد، والبحث عن الحلول العملية لمجابهة الأزمات التي تحول بعضها إلى كوارث. المؤسف في الديمقراطيات الناشئة والهشة، كديمقراطيتنا، هو أن الذين يتربعون على سدة السلطة والنفوذ سرعان ما يتخلون عن وعودهم ويسقطون في " سكرة " التشبث بكراسيهم ، متناسين أنهم جاؤوا إثر سقوط من سبقهم. ومهما كان من أمر فإن الضرورة اليوم، وبعد أن تدهورت الأوضاع بشكل خطير، تحتم تحركا جديا وجريئا لمسك الثور من قرنيه ومواجهة العواصف برؤوس مرفوعة لأن سياسة النعامة لم تعد تجظي نفعا. لقد أضعنا الكثير من الوقت وأهدرنا العديد من الفرص ولم يعد بالإمكان مزيد الصبر . إن الشعب ، الذي أبدى الكثير من التفهم والقدرة على الصمود، خلال سبع سنوات كاملة أفقدته أغلب مستلزمات حياته، لم يعد قادرا على مواصلة رحلة التيه والضياع . فلا تغتروا بصمته الراهن ، فالبركان النائم بدأ يتململ ولا يمكن التكهن بتداعيات إضطرامه!! من المؤسف الإقرار بأننا توغلنا أكثر في النفق المظلم وفرطنا في كل الفرص التي توفرت لنا لإنقاذ البلاد ، ولم يبق أمامنا إلا القليل من المسالك الضيقة والتي يصر السياسيون على إكمال عملية سدها . إلى أين نحن سائرون ؟! هذا هو السؤال الذي يؤرق جميع التونسيين ويقض مضاجهم وقد إنسدت أمامهم السبل .