الشروع في مناقشة ميزانية مهمة التعليم العالي والبحث العلمي لسنة 2026    الثلاثاء: الحرارة في انخفاض وأمطار متفرقة بهذه المناطق    شروع المركز الجهوي للديوان الوطني للزيت بجرجيس في قبول زيت الزيتون من الفلاحين    أشغال المدخل الجنوبي للعاصمة: تحويل جزئي لحركة المرور على مستوى هذه الطريق..#خبر_عاجل    استرجاع 30 قطعة أثرية من موقع زاما بعد ترميمها بروما: عرض جديد بباردو مطلع 2026    طالب باعتقال محمود عباس.. الخارجية الفلسطينية تدين تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي    السعودية: بيان ملكي عن زيارة ولي العهد السعودي لواشنطن    عاجل: إجراءات استثنائية لتنظيم عمليات توزيع هذه المنتوجات ومراقبتها    سعيّد: تقسيم الشعوب إلى متحضّرة وهمجية تمييز استعماري لفظه التاريخ    في أول زيارة له لمصر:الفنان الأمين النهدي يحضر خصيصًا العرض الرسمي لفيلم "الجولة13"    المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بتوزر ...مشروع للطاقة الشمسية ومركز بحث و تكوين للطلبة    عاجل: سوسة: حالتا وفاة وإصابة أكثر من 30 شخصا في اصطدام حافلة وسيارة خفيفة    قفصة...على خلفية إلغاء تربص... طلبة العلوم الاجتماعية والتربية يحتجون    إبراهيم الرفاعي يكشف: بعد خطاب أريحا: المخابرات الأردنية حرّضت على بورقيبة    تمّ الإعلان عنها في ندوة صحفية ...إضافات في مهرجان «مجدي عبرود» للمسرح بالمكنين    الكوتش وليد زليلة يكتب: ضغط المدرسة.. ضحاياه الاولياء كما التلاميذ    العلم اثبت قيمتها لكن يقع تجاهلها: «تعليم الأطفال وهم يلعبون» .. بيداغوجيا مهملة في مدارسنا    في صمت .. السّيدا تتفشّى في تونس    عاجل: شارك في استهداف حافلة عسكرية: هذا ما تقرّر ضد الارهابي الشعشوعي    تونس تترقب زيادة في انتاج زيت الزيتون بنسبة 47 بالمائة خلال موسم 2025 - 2026    عاجل: قرعة تصفيات كأس إفريقيا للأمم 2027 في هذا الموعد    ألعاب التضامن الاسلامي : التونسي معتز العيفاوي يحرز الميدالية البرونزية    تطاوين: المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية تنظم يوما جهويا حول استغلال مادة المرجين في القطاع الفلاحي    تونس تتسلّم سيارات إسعاف من الاتحاد الاوروبي..#خبر_عاجل    فرنسا وألمانيا في الصدارة...تونس تشهد ارتفاعا غير مسبوق في الاستثمار!    أعراض خفية وخطر كبير: كل ما يلزمك تعرفه عن حساسية ''ألفا-غال''    مدنين: تمرين محاكاة تطبيقي لاخماد حريق بوحدة صناعية    المعهد القومي العربي للفلك يعلن عن غرة جمادى الثانية    Titre    موعد مباراة الترجّي ضدّ الملعب المالي    مستقبل القصرين: انهاء العلاقة التعاقدية مع المدرب مجدي الراشدي    مأساة في المدينة المنورة...عشرات القتلى في اصطدام مروع بين حافلتهم وصهريج نفط    تقدم اشغال مضاعفة الطريق الرومانية جربة-جرجيس بنسبة 74 بالمائة    وزارة التربية تنشر الاجراءات الاستثنائية لمترشحي الباكالوريا من ذوي الإعاقة والاضطرابات الخصوصية    أيام قرطاج السينيمائية: 9 أفلام تونسية ضمن المُسابقات الرسمية    11 فقرة.. تفاصيل المشروع الأمريكي حول غزة في مجلس الأمن    إجراء 15 عملية زرع أعضاء في أقل من شهر واحد نتيجة قبول 4 عائلات تونسية التبرع من ذويها المتوفين    الطبيب التونسي خالد ناجي رئيسًا للجمعية الإفريقية لأمراض النساء والتوليد    كارثة في القيروان: طفل يقود سيارة والده ويصطدم بسيّارات ومركز صحّة!    كأس العالم لأقل من 17 سنة: قمة البرازيل وفرنسا تتصدر مشهد ثمن النهائي    نابل: أهالي قليبية يحتجّون للمطالبة بغلق المصب العشوائي " واد الإمام "    بنغلاديش: صدور الحكم بإعدام الشيخة حسينة    النادي الإفريقي: الإطار الفني يرفض خوض مباراة ودية مع أحد الأندية الليبية    نشرة متابعة: انخفاض في الحرارة مع أمطار مؤقتا رعدية آخر النهار    حذارِي! عادات يومية خاطئة تدمر ذاكرتك    الحرس الديواني يحجز بضائع بقيمة ناهزت 30 مليون دينار..وهذه التفاصيل..    هام/ وزارة الفلاحة تنتدب..    جامعة التعليم الثانوي تقرّر مقاطعة كل أشكال التقييم الجزائي بداية من الثلاثي الثاني    مباراة ودية : المنتخب التونسي يختبر قدراته أمام العملاق البرازيلي قبل الاستحقاقين العربي والإفريقي    "بسبب السحر".. مشادة قوية بين مدرب نيجيريا ولاعبي الكونغو الديمقراطية    على المباشر، الجوادي لمسؤول بوزارة الرياضة: بابا يجيكم كل يوم حد ما يقابلو وانا نطلبكم ما تهزوش ....علاش!!؟    بنزرت: إنقاذ شابين من الغرق حاولا اجتياز الحدود البحرية خلسة    شوف شنيا يصير لبدنك كان تشرب الماء ''بالقارص'' كل يوم    أريانة: تكريم محمد علي بالحولة    "فاشن بوليس": اطلالات مُميزة لمشاهير تونس في حفل نجوم تونس و الهام شاهين تثير الجدل!    رأي: الإبراهيمية وصلتها بالمشروع التطبيعي الصهيوني    شوف وقت صلاة الجمعة اليوم في تونس    كم مدتها ولمن تمنح؟.. سلطنة عمان تعلن عن إطلاق التأشيرة الثقافية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الباري عطوان : هذه قصتي الشخصية مع جمال عبد الناصر ..ولا اعتذر مطلقا عن إعجابي به
نشر في الصريح يوم 18 - 01 - 2018

أقام المعهد العربي في باريس عام 1995 ندوة بمناسبة مرور ربع قرن على وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكنا ستة اشخاص على المنصة، من بيننا وزيرا خارجية فرنسيين، ووزير داخلية، وجميعهم سابقون، ومن سوء حظي كنت المتحدث الأخير، علاوة على كوني الأصغر سنا ومكانة (ملف الندوة في أرشيف المعهد).
لم يترك المتحدثون الوزراء الذين سبقوني شيئا جديدا اضيفه، فقد تحدثوا عن مميزات الرجل وصفات زعامته، وكاريزميته، وانجازاته، مع نقد طفيف لبعض اخفاقاته، واخطائه، واظهروا احتراما كبيرا اكدوا ان الرجل يستحق، وعندما جاء دوري قلت لهم انني اعددت ورقة مكتوبة، سأضعها جانبا، وسأتحدث لكم من تجربة شخصية، ابدأها بالقول انه لولا الرئيس جمال عبد الناصر لما كنت بينكم على هذه المنصة، وفي هذا الصرح الثقافي المحترم، فبفضله وعروبته وانسانيته وانحيازه للفقراء المعدومين، وانا احدهم (لاجئ ابن مخيم) فُتحت لنا الجامعات مجانا، وحصلنا على الدرجات العلمية التي نقلتنا واسرنا من خانة الفقر والعوز والجهل الى خانة “الستر”، وشق طريقنا بثقة في دروب الحياة.
***
لم احظ بشرف لقاء الرئيس عبد الناصر، فعندما انتقل من دار الفناء الى دار البقاء كنت ادرس الثانوية العامة، ولكنني حظيت برد منه، او من مكتبه، على اول رسالة كتبتها في حياتي، وكنت تلميذا في الصف الثاني ابتدائي، كتبت فيها بضعة كلمات “الرئيس جمال عبد الناصر انا احبك”، ووقعتها بإسمي وعنوان مدرسة اللاجئين التي كنت ادرس فيها في مخيم دير البلح.
اعجابي بالرئيس عبد الناصر وارثه لم ينقص على مدى السنوات، بل ازداد، وما زال، رغم انني لا انكر مطلقا ان الرجل اجتهد وارتكب أخطاء، اعترف بأكبرها عندما اقر بمسؤوليته عن هزيمة حرب حزيران (يونيو) عام 1967 وعرض استقالته على الشعب.
كما انه لم يقل في أي يوم من الأيام انه كان ديمقراطيا ويقود “العالم الحر”، واعتقل معارضيه وزج بهم في السجون، ولكنه حقق إنجازات لم ينكرها اشد خصومه مثل الإصلاح الزراعي الذي كان اكبر ثورة اجتماعية واخلاقية في تاريخ المنطقة، حيث قضى على الاقطاع، وأعطى الأرض لمن يستحقها، ولا ننسى السد العالي والتصنيع الحربي، وتأميم قناة السويس، والاكتفاء الذاتي في الطعام وكل ما يحتاجه المواطن من منتوجات تصنع محليا، وقائمة الإنجازات تطول.
الرئيس عبد الناصر كان يرتدي “بزة” من الصوف المصري، وقمصان وجوارب من القطن المصري، وحذاء من الجلد المصري، مثله مثله مثل جميع المصريين، وكنت أقيم في مصر في تلك الفترة، وكانت الملابس المستوردة محصورة في شارع خلفي طوله 50 مترا (شارع الشواربي) قرب ميدان سليمان باشا اذا لم تخني الذاكرة، وكانت هذه الملابس تباع في بوتيكات صغيرة وبشكل سري كأنها مواد محرمة، وكانت محرمة فعلا.
يتعرض الرئيس عبد الناصر لهجمة شرسة هذه الأيام من خصومه وتجربته السياسية والفكرية، ووصل الامر بالسيد عمرو موسى الى الادعاء بأنه كان يستورد طعاما خاصا من سويسرا، وهو الذي كان يصطحب الجبنة البيضاء والطماطم، وجبته المفضلة الى أي بلد يذهب اليه، وكانت أنواع الطعام، حسب شهادات من عاشروه عن قرب، هي آخر همومه.
شاءت الاقدار ان أكون في مصر يوم اعلان وفاته، وبالتحديد في مدينة الإسكندرية، واقسم بالله انني لم اشهد منظرا في حياتي مثل منظر مئات الآلاف من اهل المدينة يخرجون الى الشوارع، نساء أطفالا رجالا، كهولا، شبابا، يبكون بحرقة عفوية، واستمر هذا المنظر طوال الليل ولعدة ايام، وكورنيش المدينة ومعظم شوارعها كانت خالية من السيارات مزدحمة بالبشر الهائمين على وجوههم، والصدمة هي القاسم المشترك للجميع، واستمر الحال أكثر من أسبوع.
كان هذا أعظم استفتاء على هذا الرجل وحكمه وانجازاته، استفتاء عفوي صادق نابع من قلوب البسطاء المكلومة والمؤمنة، حيث تساوى الفقراء والاغنياء في مشهد تكرر في جميع المدن والبلدات والقرى المصرية.
***
الرئيس عبد الناصر صاحب رؤية ومشروع عماده إعادة الهيبة والكرامة لمصر وشعبها والشعوب العربية بأسرها، أراد ان يضع الامة العربية على الخريطة العالمية، كأُمة صاحبة هوية مستقلة عنوانها محاربة الاستعمار ودعم الشعوب التي تقاومه في اسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية، وفي الوطن العربي طبعا وابرزها الفلسطيني والجزائري والتونسي.
لا اريد ان اتحدث عن مصر الحالية والحال الذي وصلت اليه على ايدي من خلفوه، ولا اريد ان اقارن بين وضع الامة العربية حاليا وفي زمن العظماء عبد الناصر وزملاؤه في اكثر من بلد، في الجزائر وسورية والعراق واليمن وغيرها، فالعنوان واضح، والصورة لا تحتاج الى شروحات.
رحم الله الرئيس عبد الناصر الذي مات ولم يترك الا بضعة مئات من الجنيهات المصرية في حسابه البنكي، ولم يوّرث ابناءه القصور او الهكتارات من الأراضي الخصبة.. ولكنه ورثهم، ونحن معهم، الكرامة وعزة النفس، والوقوف في خندق هذه الامة ومشروعها الوطني في مواجهة الاستعمار، وما اجمل هذه الورثة والارث واغلاها على قلوب الوطنيين الشرفاء أينما كانوا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.