مرصد الشفافية والحوكمة الرشيدة يندد بتصريحات السيناتور الأمريكي جو ويلسون    الصندوق الوطني للتأمين على المرض يذكر بآجال ايداع مطالب تغيير المنظومة وطبيب العائلة    متابعة لحادثة رفض طبيب معالجة طفلة: مسؤولة توضّح الإجراءات المتخذة في حق الطبيب    رئيس الجمهورية يؤدي زيارة فجئية إلى مدينة حلق الوادي    الحماية المدنية: 140 تدخلا لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة النادي الإفريقي    قليبية: سقوط إمرأة وطفلين من لعبة طائرة بفضاء ترفيهي    عاجل: نشرة إنذارية خاصة...تحذير من رياح قوية تهب على شمال تونس وخليج الحمامات    وزارة الصحة توضح: ترشيد الأدوية لا يعني حرمان المرضى بل ضمان استمرارية التزويد    اليوم.. ترامب يترأّس "اجتماعا واسعا" بشأن غزة    عاجل/ غزّة: 10 شهداء بسبب المجاعة خلال ال24 ساعة الأخيرة    فرنسا تعلن تقليص عدد طلبات التأشيرة بسفارتها في الجزائر    الرابطة الأولى: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الرابعة ذهابا    الرابطة الأولى: تشكيلة الملعب التونسي في مواجهة نجم المتلوي    عاجل/ تأجيل الإعلان عن قائمة المنتخب الوطني إلى هذا الموعد..    رد لاذع من ماكرون على نتنياهو.. لا تستخدم معاداة السامية كأداة سياسية وملتزمون بالاعتراف بفلسطين    انهيار أرضي يودى بحياة ما لا يقل عن 30 شخصا في منطقة جامو الهندية    السيجومي: الإطاحة بمجرم خطير محل 17 منشور تفتيش    مهرجانات قرطاج والحمامات وأوذنة محور اللقاء الإعلامي الاول لعدد من المديرين العامين بوزارة الشؤون الثقافية ومديري المهرجانات    مرشحة جمهورية تحرق المصحف الشريف لدعم حملتها الانتخابية    الاتحاد الأوروبي يحظر جل الأظافر بعد تحذيرات صحية خطيرة    أمطار رعدية بعد ظهر اليوم بهذه المناطق.. #خبر_عاجل    تونس الأعماق ... سطح القمر بالصمار (تطاوين) .. وجهة لحياة الصخور والطبيعة الخلابة    أمراض قد تسببها لدغات البعوض    عالم يكشف السبب الحقيقي وراء اختفاء السفن في مثلث برمودا    إعلام عبري يتحدث عن تهديدات لتصفية رئيسين عربيين    المهرجان الثقافي بسيدي احمد زروق ..ندوات فكرية،مسابقات ترفيهية، وعروض فنية    تاريخ الخيانات السياسية (59) ..الشطار والعيّارون لصوص وثوار 8    ما بقي من الدورة 66 لمهرجان سوسة الدولي...برمجة قياسية برؤية إصلاحية    عاجل: لتفادي الانقطاعات: نصائح عاجلة من الستاغ لترشيد الاستهلاك وقت الذروة    ارتفاع ملحوظ في عدد السيّاح الصينيين.. #خبر_عاجل    عاجل/ الصحة العالمية تحذّر: هكذا يمكن للحرارة أن تؤدّي الى الوفاة    هيئة الشارقة للكتاب تفتح باب الترشح لجائزة "ترجمان 2025"    عاجل: الإفراج عن صانع محتوى بعد إسقاط الشكاية في حقه    سهرة فلكية بمدينة العلوم لمواكبة الخسوف الكلي للقمر    الشبيكة: العثور على جثة شاب مطعون و الإحتفاظ بخالته وطفل عمره 15 سنة    اعادة فتح مكتب بريد ورجيجن من معتمدية بني خداش التابعة لولاية مدنين    قبلي: تقدم هامّ في عملية تغليف عراجين التمور رغم الصعوبات المسجلة في التزود بالناموسيات مطلع موسم حماية الصابة    بعد أشغال ترميمه : المعلم التاريخي جامع بن معزوز بجزيرة جربة يستعيد رونقه وبريقه    عاجل: السيطرة على حريق جبل فروحة    تنظيم الدورة الثانية للصالون الدولي للسياحة الصحراوية والواحية في ديسمبر المقبل    عودة مدرسية: حجز أكثر من 7 آلاف قطعة طباشير و 20 الف قلم شمعي    توسعة المدخل الجنوبي للعاصمة..هذه آخر مستجدات الأشغال..#خبر_عاجل    عاجل/ سريعة الانتشار: خبير يكشف أعراض السلالة الجديدة من فيروس كورونا..    العثور على جثة شاب تحمل آثار طعن في القيروان    كرة اليد: اعتزال اللاعب الدولي التونسي جهاد جاء بالله    نشرة متابعة/ الحرارة ستصل الى 43 درجة اليوم بهذه المناطق..#خبر_عاجل    محيط قرقنة يعزز صفوفه بأربعة لاعبين لاعبين جدد    عاجل: إنخفاض أسعار لحوم الدجاج بداية من الأسبوع المقبل    أحلام: ''رجّعوني على تونس...توحشتكم''    الرابطة الأولى: قمّة مشوّقة في الجولة الرابعة بين الترجي الجرجيسي واتحاد بنقردان والنادي الإفريقي يواجه البنزرتي    قيس سعيّد: ''الحقّ حقّ لن يسقط بالتقادم...والباطل باطل ولو غُلّف بشرعيّة صوريّة''    تاريخ الخيانات السياسية (57) .. .الخليفة الطائع من القصر إلى الحجر    المهدية...ينخرها السّوس، وملوّثة بفضلات الفئران والطيور .. حجز طن و589 كلغ من الأغذية الفاسدة    بعد جراحة دقيقة في ألمانيا... الفنانة أنغام تعود إلى مصر    الأبراج ليوم 25 أوت 2025: يوم تحت شعار الخيارات الحاسمة    تاريخ الخيانات السياسية (56) .. أفتكين و بختيار وسطوة الترك    هام/ كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الباري عطوان : هذه قصتي الشخصية مع جمال عبد الناصر ..ولا اعتذر مطلقا عن إعجابي به
نشر في الصريح يوم 18 - 01 - 2018

أقام المعهد العربي في باريس عام 1995 ندوة بمناسبة مرور ربع قرن على وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكنا ستة اشخاص على المنصة، من بيننا وزيرا خارجية فرنسيين، ووزير داخلية، وجميعهم سابقون، ومن سوء حظي كنت المتحدث الأخير، علاوة على كوني الأصغر سنا ومكانة (ملف الندوة في أرشيف المعهد).
لم يترك المتحدثون الوزراء الذين سبقوني شيئا جديدا اضيفه، فقد تحدثوا عن مميزات الرجل وصفات زعامته، وكاريزميته، وانجازاته، مع نقد طفيف لبعض اخفاقاته، واخطائه، واظهروا احتراما كبيرا اكدوا ان الرجل يستحق، وعندما جاء دوري قلت لهم انني اعددت ورقة مكتوبة، سأضعها جانبا، وسأتحدث لكم من تجربة شخصية، ابدأها بالقول انه لولا الرئيس جمال عبد الناصر لما كنت بينكم على هذه المنصة، وفي هذا الصرح الثقافي المحترم، فبفضله وعروبته وانسانيته وانحيازه للفقراء المعدومين، وانا احدهم (لاجئ ابن مخيم) فُتحت لنا الجامعات مجانا، وحصلنا على الدرجات العلمية التي نقلتنا واسرنا من خانة الفقر والعوز والجهل الى خانة “الستر”، وشق طريقنا بثقة في دروب الحياة.
***
لم احظ بشرف لقاء الرئيس عبد الناصر، فعندما انتقل من دار الفناء الى دار البقاء كنت ادرس الثانوية العامة، ولكنني حظيت برد منه، او من مكتبه، على اول رسالة كتبتها في حياتي، وكنت تلميذا في الصف الثاني ابتدائي، كتبت فيها بضعة كلمات “الرئيس جمال عبد الناصر انا احبك”، ووقعتها بإسمي وعنوان مدرسة اللاجئين التي كنت ادرس فيها في مخيم دير البلح.
اعجابي بالرئيس عبد الناصر وارثه لم ينقص على مدى السنوات، بل ازداد، وما زال، رغم انني لا انكر مطلقا ان الرجل اجتهد وارتكب أخطاء، اعترف بأكبرها عندما اقر بمسؤوليته عن هزيمة حرب حزيران (يونيو) عام 1967 وعرض استقالته على الشعب.
كما انه لم يقل في أي يوم من الأيام انه كان ديمقراطيا ويقود “العالم الحر”، واعتقل معارضيه وزج بهم في السجون، ولكنه حقق إنجازات لم ينكرها اشد خصومه مثل الإصلاح الزراعي الذي كان اكبر ثورة اجتماعية واخلاقية في تاريخ المنطقة، حيث قضى على الاقطاع، وأعطى الأرض لمن يستحقها، ولا ننسى السد العالي والتصنيع الحربي، وتأميم قناة السويس، والاكتفاء الذاتي في الطعام وكل ما يحتاجه المواطن من منتوجات تصنع محليا، وقائمة الإنجازات تطول.
الرئيس عبد الناصر كان يرتدي “بزة” من الصوف المصري، وقمصان وجوارب من القطن المصري، وحذاء من الجلد المصري، مثله مثله مثل جميع المصريين، وكنت أقيم في مصر في تلك الفترة، وكانت الملابس المستوردة محصورة في شارع خلفي طوله 50 مترا (شارع الشواربي) قرب ميدان سليمان باشا اذا لم تخني الذاكرة، وكانت هذه الملابس تباع في بوتيكات صغيرة وبشكل سري كأنها مواد محرمة، وكانت محرمة فعلا.
يتعرض الرئيس عبد الناصر لهجمة شرسة هذه الأيام من خصومه وتجربته السياسية والفكرية، ووصل الامر بالسيد عمرو موسى الى الادعاء بأنه كان يستورد طعاما خاصا من سويسرا، وهو الذي كان يصطحب الجبنة البيضاء والطماطم، وجبته المفضلة الى أي بلد يذهب اليه، وكانت أنواع الطعام، حسب شهادات من عاشروه عن قرب، هي آخر همومه.
شاءت الاقدار ان أكون في مصر يوم اعلان وفاته، وبالتحديد في مدينة الإسكندرية، واقسم بالله انني لم اشهد منظرا في حياتي مثل منظر مئات الآلاف من اهل المدينة يخرجون الى الشوارع، نساء أطفالا رجالا، كهولا، شبابا، يبكون بحرقة عفوية، واستمر هذا المنظر طوال الليل ولعدة ايام، وكورنيش المدينة ومعظم شوارعها كانت خالية من السيارات مزدحمة بالبشر الهائمين على وجوههم، والصدمة هي القاسم المشترك للجميع، واستمر الحال أكثر من أسبوع.
كان هذا أعظم استفتاء على هذا الرجل وحكمه وانجازاته، استفتاء عفوي صادق نابع من قلوب البسطاء المكلومة والمؤمنة، حيث تساوى الفقراء والاغنياء في مشهد تكرر في جميع المدن والبلدات والقرى المصرية.
***
الرئيس عبد الناصر صاحب رؤية ومشروع عماده إعادة الهيبة والكرامة لمصر وشعبها والشعوب العربية بأسرها، أراد ان يضع الامة العربية على الخريطة العالمية، كأُمة صاحبة هوية مستقلة عنوانها محاربة الاستعمار ودعم الشعوب التي تقاومه في اسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية، وفي الوطن العربي طبعا وابرزها الفلسطيني والجزائري والتونسي.
لا اريد ان اتحدث عن مصر الحالية والحال الذي وصلت اليه على ايدي من خلفوه، ولا اريد ان اقارن بين وضع الامة العربية حاليا وفي زمن العظماء عبد الناصر وزملاؤه في اكثر من بلد، في الجزائر وسورية والعراق واليمن وغيرها، فالعنوان واضح، والصورة لا تحتاج الى شروحات.
رحم الله الرئيس عبد الناصر الذي مات ولم يترك الا بضعة مئات من الجنيهات المصرية في حسابه البنكي، ولم يوّرث ابناءه القصور او الهكتارات من الأراضي الخصبة.. ولكنه ورثهم، ونحن معهم، الكرامة وعزة النفس، والوقوف في خندق هذه الامة ومشروعها الوطني في مواجهة الاستعمار، وما اجمل هذه الورثة والارث واغلاها على قلوب الوطنيين الشرفاء أينما كانوا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.