قبل اي كلام وقبل اي جمل لا بد من الترحم على محمد الصياح الذي انتقل الى جوار ربه عزوجل ثم وبعد هذا الترحم اقول انني ما كنت لاكتب هذا المقال لولا انني اخشى على الذاكرة التونسية الجماعية الذي يجب ان تحفظ جيلا بعد جيل ان تضيع بما يكتبه بعضهم من حين الى اخر من كلام يدخل في خانة الكذب او في خانة التدجيل.. ولقد قرانا في هذا الاطار وهذا المجال لمن كتب عن المرحوم محمد الصياح واراد عن قصد او غير قصد ان يجعله بطلا من الأبطال ورجلا من عظماء الرجال ولكننا قد عشنا وشاهدنا وراينا الحياة السياسية لهذا الرجل وما كان له فيها من قول ومن عمل ولقد خرجنا بعد معاصرتنا ومواكبتنا له بامرين اثنين اولهما ان التونسيين جميعا تقريبا كانوا يقولون عن المرحوم محمد الصياح انه كان من الساعين والعاملين بكل جهده ان يكون مقربا ومحبوبا لدى بورقيبة بكل الطرق ولا يهمه ان يقول عنه التونسيون في سبيل ذلك قد كذب او قد صدق ولعل كبارالسن من التونسيين مازالوا يتذكرون وما زالوا يتحدثون الى اليوم عن تلك الحادثة الطريفة التي تروى عن محمد الصياح اذ قيل انه في اخر عهد وزمن بورقيبة قد جاءه ذات صباح وهو يحمل له فردة صباط او فردة حذاء ويقول له ان الباحثين والمؤرخين قد وجدوها وعثروا عليها وقالوا انها من اثار بورقييبة لما قطع يوما مسافة في الصحراء فضحك التونسيون العقلاء الى حد الاستلقاء وفهموا قصد محمد الصياح رحمه الله ولعل فهم مقصده وادراك غايته من وراء هذا العمل لا تخفى حتى على الصغار وعلى المعتوهين وعلى الأغبياء.. اما الأمر الثاني الذي مازال منقوشا في ذاكرة كبار السن والعقلاء من التونسيين هو مارواه المرحوم محمد مزالي في حيثيات واطوار تعيينه وزيرا اولا في اخريات زمن وعهد بورقيبة اذ قال وهو من الصادقين ان وسيلة قالت له في ذلك اليوم الذي استدعته فيه الى قصر قرطاج ان بورقيبة سيعلمه انه قد عينه وزيرا اولا للتونسيين وهي التي سعت وحرصت على هذا التعيين بعد تشاورها مع بورقيبة في ذلك الوقت وذلك الحين كما اعلمته ان بورقيبة كان ينوي تعيين محمد الصياح في ذلك المنصب المرموق الذي كان يتصارع عليه في ذلك الوقت كل الوزراء العاملين مع بورقيبة، لكن وسيلة اقنعته ان محمد الصياح لم يكن لدى اغلب التونسيين من المرضي عنهم ولا من المحبوبين بل كان عند اغلبهم من المكروهين ومن المذمومين فعدل بورقيبة عن فكرة تعيين محمد الصياح بكل هدوء ودون كثرة نقاش ودون معارضة ودون شجار ودون صياح.. ولعل عقلاء التونسيين يعلمون ويفهمون انه لو كان لبورقيبة ادنى شك في صدق وسيلة لعين محمد الصياح ولاقنعها برايه بكلمات وبجمل قليلة ولاشك ان التونسيين يعلمون قدرة وقوة بورقيبة في الاقناع الذي يملك في مجاله الف باع وباع والف ذراع وذراع هذه كلمات اردت ان اشهد بها للتاريخ عن موقف التونسييين وموقف بورقيبة وموقف وسيلة من محمد الصياح اعرضها على القراء من باب الشهادة التاريخية فما على من يردها او من ينكرها الا ان ياتي بما يخالفها من الحجج والبراهين الثابتة اليقينية حتى لا يقول العقلاء في رده تلك الحكمة التونسية المعلومة والمفهومة(قال له يا ابي متى نصبح شرفة؟ فاحابه حتى يموت كبار الحومة) وكبار الحومة في تونس والحمد لله مازالوا احياء يرزقون يسمعون ويتكلمون ويردون ويراجعون من يريدون تشويه التاريخ بشطحات وترهات من قبيل ما يسمى لدى عامة التونسيين بالهزان والنفضان اودق الحنك او الكلوخ او التكليخ