بعد تحرر الإعلام من القبضة "الوهابية"، دخلت جل مؤسساتنا الإعلامية في حالة من الفوضى... الكل يريد أن "يعبر" ويقول ما سجن في صدره على مدى سنوات من العجز والقهر واللاجدوى - وإن كان البعض ليس له ما يقول فقد خبرهم التونسيون سنوات القحط التلفزيوني ونخشى في هذه الفوضى أن تختلط المفاهيم فلا يفرق البعض بين حرية التعبير والتشهير بأعراض الناس... ونعتقد أننا في هذه المرحلة ملزمون أكثر باحترام شرف المهنة بعيدا عن الشعارات الجوفاء - وإن كانت رنانة - وتوجيه الاتهامات بالخيانة لكل من وجد نفسه مضطرا للصمت أمام تجاوزات النظام البائد... وكم كان حسن بن عثمان متصالحا مع نفسه وهو يصرح " أنا أقل المتلوثين تلوثا "... فهؤلاء الذين يطلعون علينا كل يوم من الشاشات ومن أثير الإذاعة ومن صفحات الجرائد لم يكونوا في كوكب غير الأرض ولم يكونوا في بلد غير التي نعرف... بعضهم ناشد وساند وإن تنصلوا اليوم وركبوا صهوة الثورة... ولمن يرغب في الإطلاع على بعض النماذج من هؤلاء كبار المعارضين اليوم، عتاة المنشدين اليوم، التوجه للفايسبوك حيث كشف المستور... وقد قلنا في بطاقة سابقة إن التونسي الذي يريد أن يفتح صفحة جديدة لا بد أن يبدأ أولا بتغيير نفسه بالقطع مع فكرة الذوبان في شخص الرئيس... أي كان هذا الرئيس... بدء بالرئيس في العمل إلى رئيس الجمهورية... فإذا ذاب المواطن في شخص الرئيس فسيداهن السلطة لاتقاء شرها وحينها يصبح القمع سلوكا مألوفا وتراثا نحمله في داخلنا كما قال الدكتور علاء الأسواني في كتابه "لماذا لا يثور المصريون؟"... لم يعد مسموحا اليوم للتونسي أن ينحني أمام العاصفة حتى تمر... ويكذب وينافق حتى يستمر... وقد تابعنا موقفا غريبا في قناة حنبعل التي احتفت بإطلاق سراح باعث القناة (على وزن صانع التحول كما أشارت إحدى الزميلات) بعد اتهامه بالخيانة العظمى... ويحق للقناة أن تحتفي بباعثها ولكن الموقف ذكرنا بما يحدث في "الشعب الدستورية" عند استقبال القائد الفذ والزعيم الأوحد والبطل الملهم... زغاريد تملأ المكان... وازدحام وهتافات وتصفيق ومنشط يحاول أن يبرز سعادته القصوى فيفتعل الارتباك حتى لا نتهمه بالقصور وهو يكرر نداءه لسيد القناة وباعثها "سي نصرة"... ومذيعة لا تجد حرجا في القول إن توقيف باعث القناة استفادت منه مؤسستهم التي صارت محل اهتمام كل التلفزات العربية التي يشاهدها الملايين... لا يهم إن كان الاحتفاء بباعث القناة من باب الاحترام والحب - كما فهم باعث القناة نفسه - ولكن الأهم أنه احتفال غابت عنه الحرفية المهنية التي ينبغي أن تتحلى بها قناة "حررت الإعلام التونسي ونقلته من حال إلى حال"... وما دمنا قد فتحنا صفحة حرة في الإعلام التونسي فالأكثر استحقاقا بتسليط الضوء عليهم هم التونسيين المنسيون... أولئك الذين يعيشون في "مساكن"- أو ما يشبهها - متداعية للسقوط ، دون ماء صالح للشراب أو كهرباء... تونسيون خارج تونس التي نعرفها ويسوقها إعلام النظام المخلوع... تونسيون "نساتهم الأغاني" والمغنون الذين يتكالب بعضهم اليوم على سب السابع بعد أن شبعوا غناء في أعياده طيلة عقدين وأكثر... تونسيون غير قادرين على شراء الخبزة والحليب ويشربون ماء غير صالح للشراب... تونسيون تموت نساؤهم تحت آلام المخاض لعدم قدرتهم على الوصول إلى المستشفى... صفحات كثيرة من حياة التونسي جديرة بأن نفتحها في هذه المرحلة... صفحات عن الرشوة والتزوير وتراجع مستوى التعليم والمعاملات القاسية في المستشفيات وسرقة الأطفال وعملهم وهم في سن الدراسة بعيدا عن شعارات المواثيق الدولية الحامية للطفولة... ومندوبي حماية الطفولة... صفحة الإعلام الحر لا بد أن تفتح على عمال الحضائر و"البطالة" من حاملي الشهادات العليا وكابوس "الكاباس" وغيرها من المواضيع والقضايا التي سكتنا عنها طويلا... بقي لي سؤال يتصل بكاكتوس شركة الهارب بلحسن الطرابلسي التي شرعت في تلميع صورتها – على بكري- عن طريق ناطقها غير الرسمي ... لتذكرنا بفتوحاتها الإعلامية المبينة – دون التقليل من حرفية ما قدمته - سؤالي: بأي حق كانت التلفزة العمومية تمنح حافلاتها للنقل المباشر مجانا لهذه الشركة والحال أن معلوم كراء حافلة لنقل مباراة كرة قدم (لا تتجاوز المدة إذن ثلاث ساعات) يقارب 12 ألف دينارا في معاملات القناة الوطنية مع شركات غير "كاكتوس"؟ ... إنه بلحسن... يا شاذلي...