متدّت سواني –ج سانية- أريانة في العهد الحسيني بحسب الأستاذة بيّة العبيدي في أطروحتها التي أشرنا إليها آنفا، على قرابة سبعين هكتارا وتمثّل سانية رافو إحدى اثنتين من أفسح السواني إذ أنها تمسح عشرة هكتارات. جوزاف رافو هو الابن الحادي عشر ل Jean Baptiste Raffo النازح من إيطاليا. ولد بباردو في التاسع من شهر فيفري من سنة 1795 وكانت تربطه بالعائلة المالكة الحسينية علاقات دم. إذ أنّ شقيقته جنات هي زوجة مصطفى باي ووالدة الباي أحمد. ولقد مكنت هذه القرابة الشاب رافو من الارتقاء في المناصب السامية لدى "السلطان" إلى حدّ أنه تقلّد وزارة الشؤون الخارجية لدى ثلاثة ملوك مصطفى وأحمد ومحمد أي إلى حدّ جلوس الصادق باي على الكرسي عام 1859 ولكنه قبل كل ذلك كان لرافو نشاط اقتصادي متميّز إذ أنه تمكّن صحب ابنه فيليبس سنة 1826 من لزمة السمك بكاب زبيب وسنة 1835 من لزمة التن بسيدي داود ولقد تمّ تنبيله عام 1951 من طرف ملك سردينيا فأصبح Comte Giuseppe Raffo . جاء في الجزء الرابع من الإتحاف لأحمد بن أبي الضياف في ترجمته لأحمد باي: " وفي آخر أيّامه استعفى وزيره في الأمور الخارجية الكنت جوزاف راف لمكالمة وقعت بينه وبين قنصل الدولة الفرنساوية فظهر له أن يسلّم في الخدمة ويسافر إلى باريس لمحاكمة القنصل فاستعظم طلب الإعفاء وقال: أنت حرّ تفعل في نفسك ما تراه ولست أراك خديما حتى تستعفي إنّما أنت شيء ورثته من آبائي. فتراجع الكونت عن طلبه قائلا: إنّ مثلك لا يستعفي العاقل من خدمته". تلك عيّنة من مكانة الرجل لدى صاحب الإيالة ومثلما هو الشأن عند أصحاب الجاه والمكانة فلقد حذا رافو حذو معاصريه وبالخصوص بن عيّاد والبكوش فاقتنى عقارا مترامي الأطراف في قرية أريانة وابتنى في جزء منه قصرا ما زال قائما بعد مرور قرن ونصف من إنشائه ولكن في أي حال؟ إثر وفاة الكونت يوم 2 أكتوبر 1862 في باريس عمّرت القصر إلى حدود أربعينات القرن الماضي أنفس متعدّدة لم يذكرها الورّاقون. في حين أنّ التاريخ سجّل توظيف القصر كمأوى لليتامى الإيطاليين خلال الحرب العالمية الثانية وهو ما تثبته نقيشة في بهو البناية. وإثر ذلك شرع في استغلال المساحة المتاخمة للقصر في بناء مدرسة إعدادية وعندما خلا المبنى من المقيمين استقرّ بأحد أجنحته المشرف على المؤسسة التربوية وبقي الأمر على حاله عندما أصبحت المدرسة في السبعينات معهدا مختلطا الذي أطلق عليه منذ نهاية التسعينات اسم خير الدين باشا. ثمّ جاء زمن خلا هذا المبنى المتميّز ببديع الزخارف من أيّة روح، فكان ما ليس منه بدّ: الخراب. ولقد سعى مجلسنا منذ أن تسلّم الأمانة سنة 1980 إلى لفت النظر إلى ما آلت إليه الأمور في هذا المعلم الذي لا يتراءى للأنظار إلا إذا مررنا من المسلك المؤدّي إلى أقسام المعهد فلا شيء يوحي للمارة أنّ خلف الباب المحاذي لشارع الحبيب بورقيبة بأريانة الجديدة هناك بيت "أميري" يعود إلى ما قبل انتصاب الحماية الفرنسية. ولقد تعدّدت زيارات السادة الوزراء المعنيين بالمحافظة على التراث بطلب منّا للوقوف على أركان هذا القصر الذي بدأت تتداعى بفعل الزمان وتهاون بني الإنسان ولكن دون جدوى. وخلافا لقصري بن عياد الذي حوّلناه إلى قصر للبلدية وقصر البكوش الذي أمكن لنا توظيفه في عديد الأحداث الثقافية، فإننا لم نتمكن من استغلال قصر رافو للسبب الذي أشرنا له آنفا إذ أنه منصهر في الفضاء الراجع بالنظر لوزارة التربية الوطنية. لقد كنا عرضنا على أولي الأمر البتّ في مسألة ترميم هذا المعلم والسعي بالتعاون مع الجارة إيطاليا لترميمه وهي التي تدخّلت في معلم الكنيسة التي كانت مقرّا للدائرة البلدية لمدينة تونس، مع العلم أنّ معلمنا ينفرد عن أمثاله بأنه يشتمل من تحته على نفق يربطه ببرج البكوش على امتداد قرابة الألف متر. فمتى ينفض الغبار على هذا الملف المودع طيّ رفوف المؤتمنين على تراث البلاد. فهل يصبح هذا القصر مثلما اقترحناه ذات مرّة متحفا للأديان الإبراهيمية الثلاثة ترسيخا لما شهدته أريانة طوال القرنين التاسع عشر والعشرين من تعايش بينها وهي التي آوت في ذات الوقت الجامع العتيق والغريبة والكنيسة المقر الحالي للولاية.