خبر سار للتوانسة ، ودّعوا رحلة البحث الطويلة عن الصيدلية المفتوحة!    النائب يوسف طرشون: 'نعمل على مشروع قانون يتعلّق بتقاسم الأعباء المنزلية بين الزوجيْن'    النائب يوسف طرشون: نعمل على مشروع قانون يُلزم الأزواج بتقاسم الأعمال المنزلية وتربية الأبناء    الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات تدعو إلى تطوير مجلة الأحوال الشخصية وحماية مكتسبات المرأة    رئيس أركان جيش الإحتلال يقر خطة احتلال مدينة غزة    بطولة إفريقيا لكرة السلة: المنتخب الوطني يستهل اليوم رحلة الدفاع عن لقبه    غيلان الشعلالي ومراد الهذلي يتوجان بالبطولة الليبية مع الأهلي طرابلس    ألكاراز يتخطى عقبة ميديدوفيتش في سينسناتي ويحقق فوزه 50 هذا الموسم    محرز الغنوشي للتوانسة :'' السباحة ممكنة بكافة الشواطئ واللي يحب يبحر يقصد ربي''    "أصول" لياسين بولعراس على ركح الحمامات: عرض موسيقي يعزز حوار الثقافات ويدعو إلى الانفتاح وقبول الآخر    فرنسا.. عدوى بكتيرية مرتبطة بالجبن الطري تقتل شخصين وتصيب 21    13 أوت: دخول مجاني إلى المواقع الأثرية والمتاحف    البريد التونسي يتيح خلاص معاليم التسجيل المدرسي 2025/2026 عن بعد عبر المحافظ الرقمية "ء – دينار"    البوندسليغا: ليفركوزن يتعاقد مع جناح ألكمار الهولندي    المرأة التونسية تحتفي بعيدها الوطني: تاريخ من النضال والتغيير    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    من مجلة الأحوال الشخصية إلى القمة: قصة نجاح المرأة التونسية    تقارير اعلامية تُشكك في وجود مرتزقة كولومبيين في السودان    اللجنة الوطنية الأولمبية التونسية تكرّم الرياضيين المتوّجين في الألعاب الافريقية المدرسية    عاجل : دراسة طبية تحذّر من مسكن آلام يستعمله الملايين    وزارة الصحة تعمم منصة Njda.tn لتسريع التدخلات الطبية وإنقاذ الأرواح    الترجي الجرجيسي يكشف عن موعد جلسته العامّة التقييمية    موجة حرّ استثنائية تضرب فرنسا والسلطات تعزز الإجراءات الوقائية    طقس اليوم: أمطار مُنتظرة ببعض الجهات بعد الظهر والحرارة تصل إلى 39درجة    إيقاف مراقب جوي فرنسي عن العمل لقوله "فلسطين حرة" لطاقم طائرة إسرائيلية    إدارة ترامب تتجه لإعلان "الإخوان المسلمين" جماعة إرهابية...    جمهور مهرجان صفاقس الدولي يعيش أجواء كوميدية مع مسرحية "بينومي S+1" لعزيز الجبالي    اليوم.. الدخول مجاني لجميع المواقع الأثريّة والمتاحف    نابل ..تراجع صابة عنب التحويل بنسبة تتراوح بنسبة 25 و 30%    بطولة أمم إفريقيا للمحليين – السودان يكتسح نيجيريا برباعية ويتصدر مجموعته    ترامب وبوتين في ألاسكا: من أرض روسية سابقة إلى مسرح لمباحثات السلام المحتملة    ثمانية أمراض ناجمة عن قلة النوم    كرة القدم العالمية : على أي القنوات يمكنك مشاهدة مباريات اليوم الأربعاء ؟    دعوة الى تلازم الذكاء الاصطناعي مع مقاصد الدين    وادي مليز: مهرجان شمتو للتراث والفنون بوادي مليز يحتفل بعيد المرأة    عضو بلجنة تنظيم مهرجان صفاقس يرفع شكاية ضد "نوردو"    توننداكس يتراجع مع إقفال الثلاثاء بنسبة 26ر0 بالمائة    تحذير لمستعملي الطريق السيارة أ3: أشغال صيانة بداية من الثلاثاء    عاجل/ وزارة الصحة تعلن نجاحها في تفعيل خدمات المركز الطبي عن بعد    حجز كميات كبيرة من الأجبان والزبدة محفوظة بطرق غير صحية بولاية جندوبة    عاجل/ مصر تعلن عن 15 شخصية فلسطينية ستُدير غزة ل 6 أشهر    المرأة التونسية في عيدها الوطني بين رصيد مجلة الأحوال الشخصية ومقتضيات التمكين الحقيقي    سمكة الأرنب السامة غزت شاطئ نابل.. خطر على صحة التوانسة!    هام/ عطلة بيوم بمناسبة المولد النبوي الشريف..    عاجل: استئناف حركة المترو بصفة عادية بعد إصلاح العطب الكهربائي    ارتفاع درجات الحرارة يرجع بداية مالتاريخ هذا    قابس: العثور على جثة شاب مفقود منذ أسبوع داخل بئر عميقة    إحباط محاولة تهريب 36 كلغ من مخدّر "الزطلة" بميناء حلق الوادي الشمالي    هزة أرضية جديدة ب4 درجات تضرب هذه المدينة    تنبيه/ بحر مضطرب اليوم.. والحذر مطلوب عند السباحة..!    عاجل: 8 بطاقات إيداع بالسجن... اعترافات صادمة من التلميذ المتورط في فضيحة التلاعب بالتوجيه الجامعي    القهوة ''الكحلة'' مش للكل: 5 فئات لازم يبعدوا عليها..شكونهم؟    ابن الفاضل الجزيري يكشف عن وصية والده: الحاضرون في الجنازة باللون الأبيض    تعطل وقتي لجولان عربات المترو بسبب عطل في الأسلاك الهوائية الكهربائية    ابراهيم بودربالة يحضرعرض بوشناق في مهرجان سوسة الدولي    تاريخ الخيانات السياسية (43) القرامطة يغزون دمشق    يحدث في منظومة الربيع الصهيو أمريكي (2 / 2)    كيفاش الذكاء الاصطناعي يدخل في عالم الفتوى؟ مفتى مصري يفسر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نشاط الكنيسة بالبلاد التونسية قبل الحماية في كتاب «أولى المدارس الفرنسية بالإيالة التونسية»
نشر في الصباح يوم 14 - 06 - 2009

سعدت وانا أقرأ البحث القيم منهجا وتوثيقا وضبطا للاحداث، فيما صدر هذه الايام في كتاب «اولى المدارس الفرنسية بالايالة التونسية» في النصف الاول من القرن التاسع عشر (1830 1855) من تأليف الاستاذة مديحة مشرفية ام خلدون وحرم الاستاذ «ابو القاسم محمد كرو» بارك الله فيها ومتعها بالصحة والهناء.
شدني هذا الكتاب لدرجة الاتيان عليه في قراءة اولى في يوم واحد لان محتواه يدخل في اهتماماتي حيث بحثت حركة انشاء المدارس الابتدائية العصرية بالايالة التونسية في النصف الاول من القرن العشرين، وعلى الرغم من ادراكي العميق ووعيي بالغزو الثقافي الاوروبي للبلدان الاسلامية الذي يسبق الغزو العسكري والاستيطان بداية من الحروب الصليبية التي انتهت بحملة لويس التاسع (سان لوي) على تونس وموته تحت جدران مدينة تونس سنة 1270م، ومرورا بحملة بونابرت العسكرية على البلاد المصرية سنة 1798 التي خاب فيها حيث صده الشعب المصري، وما تلا هذه الحملة من اجتياح الجاليات الاوروبية ايطالية ومالطية ويهود القرنة Livorne بايطاليا وفرنسية لشمال افريقيا خاصة طلبا للعيش والامان.
وقد ترتب عن وجود هذه الجاليات تعلل قناصل البلدان الاوروبية بوجوب توفير ما يجب توفيره لقيام هذه الجاليات بطقوسها الدينية فكانت الكنائس تشاد على الارض التونسية الطاهرة وكذلك توفير المدارس الخاصة لكل جالية على حدة ليتمكن ابناء الجاليات من التكوين المعرفي والمهني ضمانا لمستقبلهم وتفوقهم على السكان الاصليين، فكانت المدارس التي اشارت اليها الكاتبة في دراستها وتعمقت في المدارس الفرنسية باعتبار ذلك موضوع البحث.
وقد بينت الكاتبة العلاقة العضوية بين الكنيسة وهذه المؤسسات في خلق الانشطة ورعايتها ومتابعتها واعانتها ماديا ومعنويا، والمتمعن في هذه الدراسة يدرك بسهولة ان السكان المسلمين لم يقبلوا على هذه المدارس اذ ان كل الاحصائيات التي استمدتها الكاتبة من مصادر موثوق بها لا تتحدث الا عن الفرنسيات والايطاليات والمالطيات واليهوديات، وفي هذا ادلالة على التشبث والاصرار من قبل التونسيين على الحفاظ على هويتهم وذاتيتهم وخصوصياتهم، وفيه دلالة ايضا على ان عملية التبشير لم تصل الى نتيجة بين الاهالي على الرغم من انتشار اهل الكنيسة بمختلف وظائفهم في الاماكن الهامة من البلاد التونسية: تونس حلق الوادي المرسى سوسة صفاقس وحتى التلميذة الوحيدة المسلمة التي انخرطت في مدرسة سان جوزاف بحلق الوادي كان ذلك بعد الاحتلال حيث بدأ يظهر نفوذ وتأثير السلطة الحاكمة في السذج وبسطاء العقول من السكان.
وهنا اختلف مع الكاتبة في تعليقها (**) شجاعة ادبية تذكر فتشكر لذلك الوالد والوالدة اللذين تجرأ وارسلا ابنتهما لتتعلم آنئذ او يظن ان عاملا في حلق الوادي له نظرة استشرافية لمستقبل الخريجات من مدرسة الراهبات بحلق الوادي فيبعث بابنته طوعا لتتعلم فيها؟ يقيني لا. قد يقال من ادراك انه عامل؟ اجيب انه لو كان من اصحاب الحيثيات لسجلته الراهبات في السجل التاريخي للمدرسة ولكتبوا عنه في الجرائد والصحف تشجيعا لغيره.
ونتيجة لموقف الاجداد من هذا الغزو الثقافي عن طريق الكنيسة ومشجعيها من ذوي النفوذ في البلاد سواء منهم الذين بقوا على دينهم وجنسيتهم «جوزابي رافو» او الذين اسلموا للمصلحة كالمملوك «مصطفى خزندار» او المنبهرين بالتنظيم العسكري المتأثرين بتربية امهاتهم المسيحيات (المشير احمد باشا باي)، هذا الموقف يستحقون من اجله الرحمة والاشادة بهم وبمن كان وراءهم من علماء مؤسسة الجامع الاعظم الزيتونة الذي كان يؤدي الدور المطلوب منه آنذاك.
قلت على الرغم من ادراكي لكل ذلك فقد افادتني الدراسة بتفاصيل هامة عن الحركة التبشيرية والتسرب الثقافي الاوروبي في الايالة وما ابقاه داخل المجتمع حتى اليوم من اثر وهذا التسرب اتخذ اساليب متعددة اهم هذه الاساليب:
التأثير على السكان بواسطة الرعاية الصحية حيث تحدثت الدراسة عن المستوصف الخيري الذي اسسته الراهبة اميلي فيالار ضمن المركب الثقافي بنهج سيدي صابر، وكذلك مستشفى سان لوي الذي اسسه الاب بورقاد، وموقف الاهالي في البداية قلة الاقبال على هذه المؤسسات بالرغم من التشجيعات، فهل كان ذلك ناتجا عن تخلف وقلة ادراك منهم؟ اللهم لا، وانما كان الاهالي يتجنبون الاختلاط بالراهبات لعدم ثقتهم فيهن وخوفا من ان يتأثر السذج وبسطاء العقول من المعاملة اللطيفة والرأفة والحنان واللطف والبشاشة التي كانت سمة الرهبان والراهبات منذ وجدت الكنيسة في اوروبا وتحكمت في مصير الناس هناك، لكن بعض المرضى من الاهالي يضيق بدائه فيتوجه الى هذه المؤسسات الصحية اسوة بذوي النفوذ والحيثيات الذين يتخذون اطباء خاصين بهم وبعائلاتهم وقد يتخذ البعض اكثر من طبيب (الباي وبعض الوزراء) قلت اسوة بذوي النفوذ او تحت تأثير بعض الافراد من الجاليات الاوروبية الذين يتعاملون معهم في التجارة او الخدمات، ويزداد عدد طالبي الرعاية الصحية عند اشتداد الجوائح، ويصل الامر الى انتقال الراهبات الى منازل المصابين عند عجزهم، وهذا العمل يذكر فيشكر لا محالة ولكنه يدخل في نطاق مهمة التبشير وتحقيق الغاية منه وهو جعل الاهالي يميلون الى التمسح من خلال المعاملة وتقديم الخدمات.
اسعدني جدا ان المؤلفة لم تلتزم بالمدة الزمنية التي حددتها في عنوان الكتاب (1830 1855) وقد عمدت في الاحصائيات خاصة الى الوصول الى سنة 1898 حيث تذكر تطور عدد التلميذات وعدد الراهبات المدرسات وعدد الناجحات في امتحان الشهادة الابتدائية والشهادة التكميلية ولم نلاحظ في كل هذه الاحصائيات تعاونا شعبيا تونسيا مع هذه المؤسسات اذا استثنينا الاب بورقاد في قرطاج مع بعض العلماء والمشائخ ورجال الفكر والادب، وكان الحديث فيها يدور باللغة العربية لان بورقاد تذكر الدراسة انه «محدث بارع باللغة العربية» وعلى الرغم من ذلك لم يؤثر في هؤلاء العلماء التأثير الذي كان يؤمله الا واحدا يدعى سليمان الحرايري آثر مصالحه الدنيوية وارتبط بالاب بورقاد وانتقل معه الى فرنسا حيث اسس جريدة.
اعود من حيث بدأت لاقول ان الكتاب في غاية الاهمية من حيث محتواه ومراجعه ومصادره لا مأخذ عليه في نظري الا ما جاء فيه من اخطاء مطبعية و«ماورد في ص 151 بالنسبة للمراجع والمصادر العربية عدد 23.
عبد الوهاب حسن حسني، او الحسن بن محمد الوزان الزياني، وصف افريقيا «ترجمة من الايطالية الى الفرنسية: ايبولار، ومن الفرنسية الي العربية: عبد الرحمان حميده نشر بالرياض عام 1399 هجري».
المعلوم عندنا ان الرجلين شخصيتان مختلفتان:
فحسن حسني عبد الوهاب عاش في القرن العشرين في مدينة تونس وكان عضوا مؤسسا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة والف عديد الكتب منها «ورقات في الحضارة الاسلامية بافريقية التونسية» و«كتاب العمر»..
اما حسن الوزان الزياني الفاسي فقد عاش في القرن السادس عشر حيث اخذه القراصنة الايطاليون حوالي جزيرة جربة التونسية سنة 1620 واهدوه لبابا روما x Léon jean de Médiars وعندما تمسح حقيقة او تظاهر اصبح يدعى ليون الافريقي وهناك في ايطاليا الف كتاب «وصف افريقيا».
اختم فأقول ان المكتبة التاريخية التونسية في حاجة، الى حد علمي، الى تأليف يحصي المؤسسات التربوية الشعبية التي نشأت في بلادنا طيلة النصف الاول من القرن العشرين، ومن كان وراء هذا التأسيس من رجالات؟
ومن من الذوات التربوية التي عملت على تنشئة الاجيال المثقفة والشخصيات العلمية والادبية والسياسية المتخرجة من تلك المؤسسات وما كان بينها من تنافس على البذل والعطاء.
اعتقد ان المركز الوطني لتاريخ التربية في بلادنا مؤهل اكثر من غيره لانجاز هذا العمل لانه يملك الوثائق الرسمية لهذه المؤسسات، وحبذا لو كون هذا المركز فريقا يعمل على انجاز هذه المهمة، فالى السيد وزير التربية والتكوين اوجه دعوتي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.