وتمضي بنا الأيام وتتعاقب الأسابيع وتتوالى الشهور.. ويقترب منا قدوم شهر الخير والبركة والرحمات، ويعلو نداء المؤمنين ودعاؤهم الخالد. نداء يدرك المسلم دلالاته، فيثير في نفسه الأشجان والحنين إلى خير الشهور وأفضل الأزمنة، فيعد المسلم نفسه للشهر الكريم ويخطط له خير تخطيط فكيف يكون الاستقبال الأمثل للشهر.. وكيف تكون التهيئة المناسبة لقدوم الشهر.. وهل لنا أن نحافظ على شهرنا من عبث العابثين وحقد الحاقدين وغفلة الغافلين.. لنبدأ معاً.. خطوات صغيرة بسيطة.. نصل بها الى رمضان. رمضان من أقوى صور الإعانة على التهيئة الإيمانية والروحية والاكثار من الذكر، وارتع في رياض الجنة على الأرض، ولا تنس المأثورات صباحاً ومساءً، وأذكار اليوم والليلة، وذكر الله على كل حال. تربية النفس بمنعها من بعض ما ترغب فيه من ترف العيش والزهد في الدنيا وما عند الناس، وعدم التورط في الكماليات من مأكل ومشرب وملبس كما يفعل العامة عند قدوم رمضان. التدريب على جهاد اللسان فلا يرفث، وجهاد البطن فلا يستذل، وجهاد الشهوة فلا تتحكم، وجهاد الشيطان فلا يمرح، وجهاد النفس فلا تطغى. أغلق مدن أحقادك، واطرق أبواب الرحمة والمودة، فارحم القريب وود البعيد، وازرع المساحات البيضاء في حناياك، وتخلص من المساحات السوداء في داخلك. اكتب رسالة اعتذار مختصرة لأولئك الذين ينامون في ضميرك، ويقلقون نومك ويغرسون خناجرهم في أحشاء ذاكرتك لإحساسك بأنك ذات يوم سببت لهم بعض الألم. تذكر أولئك الذين كانوا ذات رمضان يملئون عالمك، ثم غيبتهم الأيام عنك ورحلوا كالأحلام، تاركين خلفهم البقايا الحزينة، تملأك بالحزن كلما مررت بها. افقد ذاكرتك الحزينة قدر استطاعتك، فلا تتحسس طعنات الغدر في ظهرك، ولا تحص عدد هزائمك معهم، ولا تسجن نفسك في زنزانة الألم، ولا تجلد نفسك بسياط الندم، واغفر للذين خذلوك، والذين ضيعوك، والذين شوهوك، والذين قتلوك، والذين اغتابوك، وأكلوا لحمك ميتآ على غفلة منك، ولم يشفع لك لديهم سنوات الحي الجميل. وتّمضي بنا الأيام وتتعاقب الأسابيع، وتتوالى الشهور، ويقترب منّا قدوم شهر الخير، والبّركة والرحمات، ويعلو حداء المؤمنين ودعاؤهم الخالد: اللّهمّ بلغنا رمضان. اللّه ينور قلوبكم بالقرآن، ويجمعني بكم في ظل الرحمن، ويبلغنا سوياً بركة شعبان، وعتق رمضان، وغفران الكريم المنّان، وأن يجمعنا أنا وإنت ومن أحبنا فيه، في دار الجنان. جاهد نفسك قدر استطاعتك، واغسل قلبك قبل جسدك، ولسانك قبل يديك، وأفسد كل محاولاتهم لإفساد صيامك، واحذر أن تكون من أولئك الذين لا نالهم من صيامهم سوى العطش والجوع. يا شهر قدومك خير، وكلنّا بدونك غير، نسأل اللّه يكتبنّا من أهل الخير. العيش في رحاب القرآن الكريم والتهيئة لتحقيق المعايشة الكاملة في رمضان، وذلك من خلال تجاوز حد التلاوة في شعبان لأكثر من جزء في اليوم والليلة، مع وجود جلسات تدبر ومعايشة للقرآن. تذوّق حلاوة قيام الليل من الآن وذلك بقيام ركعتين كل ليلة بعد صلاة العشاء وتذوّق حلاوة التهجد والمناجاة في وقت السحر بصلاة ركعتين قبل الفجر مرةً واحدةً في الأسبوع على الأقل. اللهم بلغنا رمضان إنه النداء الخالد الذي ردّده الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما كان يقترب موعد قدوم الشهر الكريم، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل رجب قال اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان. تربى الصحابة الكرام على هذا الشعار، وعاشوا بهذا الدعاء الخالد، فكانوا يسعون إلى رمضان شوقاً، ويطلبون الشهر قبله بستة أشهر، ثم يبكونه بعد فراقه ستة أشهر.