عندما استجاب "محمد الغنوشي" الوزير الأول في حكومة تصريف الأعمال إلى مطالب الشعب بتغيير بعض الحقائب الوزارية وخاصة في الوزارات السيادية، سرت موجة من الارتياح في النفوس بتعيين القاضي "فرحات الراجحي" المعروف بانحيازه للحق والعدالة، ومن لم يعرفه تفاعل كثيرة مع الكلمة التي قالها بعد أدائه لليمين عندما بادر بالترحم على شهداء ثورة 14 جانفي خلافا للوزير السابق "أحمد فريعة" الذي ألقى خطابا نوفمبريا بعد التشكيل الأول للحكومة الانتقالية حرض دون قصد التونسيين على الخروج إلى الشارع للتظاهر والاحتجاج والمطالبة بإقالة بعض رموز النظام السابق وخاصة "أحمد فريعة"... ثم ظهر وزير الداخلية الجديد القاضي "فرحات الراجحي" على قناة نسمة في تدخل هاتفي قال فيه على الهواء مباشرة إنه لا يسمع المتدخلين جيدا وطلب منهم الاتصال به على هاتفه المباشر في الداخلية وكاد أن يقول الرقم مباشرة على الهواء لولا تدخل "الياس الغربي" مقاطعا قائلا "سيد ي الوزير باش تعطي تلفونك على الهواء هاذي قوية علينا"... وفي هذه الحركة الطريفة أكثر من رسالة قد لا تكون مقصودة من هذا الوزير الذي أفحمنا بصدقه... والرسالة الأساسية هي وضوحه وشفافيته... كل ما يقوله من القلب لذلك يقع في القلب مباشرة... وبعد حالة الترويع في الشارع التونسي يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، تسربت أخبار عن اقتحام ميليشيا متكونة من أكثر من ألفي شخص لا يعرف عنهم شيء لوزارة الداخلية ومحاصرة الوزير ولم ينقذه من شره سوى تدخل الجنرال "رشيد عمار" وفرقة مكافحة الإرهاب... وأطل "فرحات الراجحي" على قناة حنبعل في حوار صريح لا ليتحدث بلغة السياسيين الخشبية عن حالة الفزع في الشارع التونسي، وإنما ليوضح الكثير من نقاط الاستفهام... ونجح بكلامه الصادق بعيدا عن الشعارات الجوفاء في تهدئة الناس، فعادت الحياة إلى هدوئها في الشارع التونسي يوم أمس وكانت تصريحات وزير الداخلية محور حديث الناس... كل الناس... فقط لأنه تحدث كمواطن تونسي لا يجد حرجا في الاعتراف علنا بأن المسؤوليات عابرة وأن ما يبقى بعد أن تذهب الحقائب هي المواطنة...أي أن المكان متغير والمكانة ثابتة تحدث "فرحات الراجحي " عن اقتحام الميليشيا للوزارة وسرقة معطفه وهاتفه الجوال ونظاراته (نطمئن السيد الوزير إلى أن التونسيين أنشؤوا صفحة على الفايس بوك للبحث عن مفقوداته وإرجاعها له...)... تحدث بصدق وبأسلوب منطقي في تحليله للأشياء عن وضعية رجال الأمن وتسويتها فيما بعد ودعاهم إلى العودة إلى عملهم لفتح صفحة جديدة من تونس الحرة... أقال وزير الداخلية 42 مسؤولا في الداخلية وفي بعض الأقاليم الأمنية، وهو قرار جريء وشجاع وسابقة لم تحدث من قبل وليست من عادات صاحب القرار السياسي في بلادنا... قرار يعني أن التنظيف ضروري في هذه المرحلة الانتقالية حتى نبدأ صفحة جديدة... قال الوزير إن ابنته أبلغته أن التونسيين في دولة الفايسبوك حين لفظتهم الدولة البوليسية الطرابلسية يطلبون منه أن ينظف "نظف يا سي فرحات" وهاهو يستجيب ومن ورائه الحكومة المؤقتة التي نجحت في اختبار ثقة هام من شأنه أن يعيد الاستقرار إلى البلد والهدوء إلى النفوس... عاد أعوان الأمن البارحة إلى مواقع كثيرة من العاصمة بابتسامة رضى... قال أحدهم "الله يرحم محمد البوعزيزي فبفضله هو تمت تسوية وضعيتنا وإعادة الاعتبار لرجل الأمن بإعتباره في خدمة المواطن لا أداة قمع في يد سلطة غاشمة .