لم ادخل للمدينة العتيقة ليلا فِي رمضان المعظم منذ سنين حتى جاءتني دعوة كريمة من صديق حميم لبيتها مع عائلتي بمودة واحترام كبير وقضينا سهرة شيقة لم تكن مثل غيرها من السهرات الرمضابة التي عرفتها في الخمسينات من القرن الماضي لما كنت ادرس، وتقام عادة في باب سويقة والحلفوين. كانت سهرتنا ليلة السبت هذا في دار الجلد وفي قصر الضيافة الذي فتح ابوبه للعموم منذ أسبوع . لقد وصلنا للمكان بعد العشرة ليلا بجهد جهيد وعناء شديد من كثرة السيارات التي ملأت المواقف والساحات والطرقات وزاد عليها تلك الحواجز الحجرية والحديدية المتعددة التي وضعت حول الوزارات والمؤسسات منذ الثورة وإعلان حالة الطواري لأجل غير محدود. بلغنا مقصدنا وانتهينا الى نهج دار الجلد مقصدنا ووقفنا امام باب قديم على نمط أبواب القرن الثامن عشر زخرفة وتزيين وكان مفتوحا على مصرعيه، وعلى جانبه الأيمن يافتة مكتوب عليها باللغتين العربية والفرنسية بخط جميل(دار الجلد Hôtel SPA Dar El Jeld) وبالدخول تجد نفسك في القرن الواحد والعشرين في إطار تقليدي بهيج أشتد به غراما صديقنا احمد عبد الكافي منذ سنين. وباتفاق مع عائلته أعاد الروح الى بناء عتيق كان نزلا صغيرا اسمه نزل عبدالكافي القريب قريب من قَصْر الحكومة بالتحديد بنهج دار الجلد ليجعل منه مطعما تونسيا لحما ودما تقام فيه المآدب الفاخرة لظيوف تونس المبجلين، ثم توسع بديوان دار الجلد المقابل له والذي أدمج في النزل الفاخر الجديد الذي زرناه في تلك الليلة المباركة التي اكتب عنها بالمناسبة اليوم. سوف لا أتكلم هذه المرة وعن مسيرة السيد احمد عبد الكافي المشرفة وكل ما قام به او تعهد بانجازه في كل الشؤون لانها كثيرة ولا يمكن تعدادها في هذه الخاطرة القصيرة واتمنى ان أخصه مرة اخرى بما يليق به وأعطيه حقه كما أراه ويستحقه في اقرب فرصة تتاح لي. واعود لدار الضيافة موضوعنا اذ كنت محل عناية فائقة وترحيب انا من صاحبني من السيد احمد عبد الكافي وابنه الفاضل بالرغم من مئات الضيوف والزائرين المتواجدين ليلتها وكلهم من القامات والكفاءات المحترمين، لقد جاؤوا مثلي تلبية للدعوة او للاطلاع على الإنجاز الجديد من قريب ذلك المولود الذي تمت تهيئته بذوق سليم وحسن ترتيب واختيار للاثاث المناسب للتجهيز والتزويق، لقد كان كله مخفيا وراء ذلك الباب عتيق الذي باجتيازه تتكشف لك اسرار ما بداخله من قاعات وأروقة وحديقة داخلية وحمام عصري وأجنحة وبيوت للضيوف كلها مؤثثة بتناسق بهيج وبها كل المرافق الضرورية من الطراز الرفيع لإراحة المقيمين. انه إنجاز جديد في شكله وموقعه قد يشبه ما هو بمراكش التي رايتها عبر التلفزيون ولم أزرها ولا مرة بالرغم من انني كنت دعيت لما أشرفت في بداية السبعينات من القرن الماضي لما كنت واليا بقفصة على حفل توأمة نزل المامونية المشهوذ مع نزل جيغورطة لما كان شهير. لقد قضينا نحو الساعتين نتمشى في الأروقة والقاعات وأعجبنا بالنقش والزخرفة وكلها على النمط القديم وباتت مستعملة من جديد، كما أعجبنا بالإنارة والاضواء التي تبهر العيون وفرق الموسقى التونسية تشنف آذان السامعين بالفن التونسي الأصيل، فباركنا تلك العناية الفائقة والغرام الموفق الذي ظهر على صديقنا احمد عبد الكافي وكنت شبهته ذات يوم بطلعت حرب رئيس بنك مصر في زمن الحكم القديم والذي كان سببا في نهضة مصر التي خلدته بتمثال له وضعته في ساحة من ساحات القاهرة وما زال الى اليوم قائما للناظرين. وختاما تمنيت ان يدرك ممن لهم الإمكانيات الذوق السليم قيمة المدينة وتراثها وقد أخذت بناءتها تنهار وكان يجب تداركها بالعناية والإصلاح والترميم وفي شكلها القديم لتعود اليها الحياة لها من جديد قياسا لما رايته من حب وحماس في صديقنا الذي ان يكون قدوة للآخرين وكل عام وانتم بخير