رأي في "التمثيلية" و"الشرعيّة": قراءة في ما يجري في نقابة الصحافيّين التونسيّين بقلم:خالد الحداد تشابكت الخيوط في حدود مكتب النقابة الوطنيّة للصحافيّين التونسيّين وفي كامل دائرة الوسط الإعلامي بشكل لم تعُد فيه الرؤية واضحة وبيّنة حتّى بالنسبة لمن يعتقدُ في نفسه أنّه ماسك بأحد طرفي اللعبة.
الأحداث كانت مُتسارعة منذ ظهيرة يوم الإثنين 4 ماي 2009 عندما جسّدت الندوة الصحفيّة لعرض التقرير السنوي للحريات الصحفيّة في تونس مناسبة فارقة لتأكيد حالة الانقسام والتداخل والضبابيّة الّتي تعيشها الأسرة الإعلاميّة ، وفي واقع الحال فإنّ مضامين التقرير الّذي انتهى إليه مكتب نقابة الصحافيّين كانت بعيدة عن الضوء ولم تلق الرواج المطلوب لها أوّلا بسبب الفوضى الّتي حدثت وثانيها أنّ الواقع الإعلامي في تونس جليّ وواضح بإيجابياته وسلبياته وهو محلّ اتفاق وإجماع بين كلّ الأطراف بما فيها السلطة السياسيّة في البلاد ووزارة الإشراف، ومن المنطقي الجزم في هذا الباب أنّه لا يُمكن لأحد أن يمتلك أحقيّة المزايدة في أيّ اتجاه بمعاناة العدد الأبرز من العاملين في القطاع وبظروفهم المهنيّة الصعبة وبما يُكابدونه من مشاق في سبيل الارتقاء بهوامش الحرية والجرأة والترفيع في مداها من منطلق أخلاقيات المهنة والمسؤوليّة الّتي يتحمّلونها أمام الرأي العام أوّلا وأساسا. كان هناك أمر مّا يجري خلف تلك المضامين ، وزُجّ بالجزء الأكبر من الصحافيّين منخرطي النقابة في بوتقة من الصراع الثنائي أحدهُما متّهم بتنفيذ أجندة الحزب الحاكم والثاني متهموم بالترويج لرؤى وطروحات بعض التوجهات الراديكاليّة من خارج الفضاء الصحفي. وأكّدت تطوّرات الأحداث بداية هذا الأسبوع على وجه التحديد ما لا يُمكنُ التشكيك بعدهُ في أنّ ما جرى على خلفية تقرير واقع الحريات الصحفيّة ليس إلاّ مظلّة سعت كلّ الأطراف وكلّ الأسماء إلى التخفّي خلفها لتحقيق أجندات لن نقول أنّها متأتية أو تحت ضغط الحزب الحاكم أو وزارة الإشراف أو مُملاة من أطراف من الشق المعارض الراديكالي في البلاد ولكنّها أجندات ليست على علاقة بالواقع الصحفي والإعلامي وتطلّعات العاملين فيه ولا صلة لها بما روّج له طرفا النزاع أنّه يمسّ تقييم المشهد الإعلامي ودرجة التقدّم أو التراجع أو الركود. ومع الاستقالات الّتي لوّح بها عدد من أعضاء المكتب التنفيذي و"البيان العقابي" الذي أمضاه رئيس النقابة ناجي البغوري بانت بالكاشف أنّ المعركة لن تهدأ وأنّها مرّت إلى مرحلة متطوّرة جدّا تحت سياط تصفية الحسابات ومزيد تأزيم الأوضاع. وفي قراءة موضوعيّة للتحرّكات الأخيرة لطرفي النزاع ، فإنّ هناك شبه براءة ظاهريّة للمُقدمين على الاستقالة على اعتبار أنّ ذلك من حقّهم ولا يُمكن لأحد أن يمنع حقّهم في الانسحاب ومهما كانت المبرّرت أو الذرائع ، وفي المقابل بدا رئيس النقابة وقد ضاقت عليه السبل ، وليس من معنى هناك أن يكون "البغوري" قد ضيّق على نفسه الخناق أم دفعت أطراف أخرى به إلى عنق الزجاجة، كلا الأمرين سواء، ولكن من المهمّ في هذا الباب السعي إلى قراءة ذلك الوضع فهما لطبيعة ما آلت إليه الأوضاع من خطورة ونتائجها السلبيّة في اتجاه تكريس لواقع قطيعة "هيكل النقابة الشرعي" أي المكتب التنفيذي مع سلطة الإشراف وتأكيد حالة الانقسام داخل "الجسم الصحفي" حيال ما يروّج له طرفا الصراع. ليس من شكّ اليومأو غدا في أنّ الهياكل الحالية لنقابة الصحافيّين التونسيّين (المكتب التنفيذي، المكتب التنفيذي الموسّع ، اللجان) هي هياكل شرعيّة تمّ انتخابها في إطار ديمقراطي وعبر شفافيّة لم تكن ولن تكون لأحد أهليّة للطعن فيها على الإطلاق بمن فيهم من يتولّون إدارة النزاع الحالي، ذلك معطى مهمّ جدّا لا يُمكنُ القفز عليه عند تتبّع مجرى الأحداث أو محاولة تقييم الحصاد الّذي انتهت إليه هذه الأيّام، وعلى الرغم من التباينات والاختلافات الّتي كانت وسط تلك الهياكل والتجاذبات الّتي كانت تعتملُ داخلها فإنّ النقابة أمكن لها أن تتحرّك وان تتفاعل مع محيطها المدني والسياسي والرسمي إذ حضر أعضاء المكتب مناسبات وطنيّة في قصر قرطاج بدعوة من رئيس الدولة، كما التقى رئيس النقابة وزير الاتصال والعلاقات مع مجلسي النواب والمستشارين في مرات عديدة كما كانت له لقاءات مع المسؤولين على عدد من وسائل الإعلام الوطنيّة ونشطت النقابة في تنسيق مع منظمات مدنيّة وحقوقيّة وغيرها على غرار الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية النساء الديمقراطيات وشارك رئيس النقابة في حلقات ومنتديات سياسيّة وحزبيّة يمينا ويسارا (المعارضة الوفاقيّة والمعارضة الراديكاليّة) ، وفي كلّ ذلك برز اسم النقيب عاليّا في وسائل إعلاميّة خارجيّة عديدة على غرار قناتي "الجزيرة" و"العربيّة" وكانت له مواقف ليس فقط من واقع المشهد الإعلامي المحلّي بل كذلك بملفات عديدة أخرى ومنها واقع حقوق الإنسان والحريات العامّة في البلاد وتقييم درجة التطوّر المدني والسياسي بها. صحيح أنّ مكتب النقابة الحالي شرعي ولكن هل له اليوم التمثيليّة اللازمة لكي يتحرّك بأريحيّة ويفعل ما يُريد بما في ذلك التهجّم على سلطة الإشراف واتهام الحزب الحاكم؟ ما تمنحُهُ "الشرعيّة الانتخابيّة" قد تُسقطُهُ "التمثيليّة" في كلّ لحظة وآن، وتمنحنا رؤية المشهد النقابي والسياسي ليس المحلي فقط بل الدولي والإقليمي أنّ هناك من القيادات السياسيّة والحكوميّة والنقابيّة من يقبلُ بتلك الحقيقة ولا يتجاهلها فيقبلُ الاستقالة أو الانسحاب أو يدعو إلى "انتخابات استثنائيّة" أو سابقة لأوانها لتجديد تلك "الشرعيّة" وإيجاد "تمثيليّة"جديدة لها أو إعلان الهزيمة وانهيار تلك "الشرعيّة". وفي واقع الحال تبدّلت المعطيات والظروف بل إنّ هناك من المؤشرات والحقائق الّتي تمّ تداولها في الساحة الصحفيّة والسياسيّة التونسيّة ومنها أنّ مكتب النقابة الحالي وأساسا رئيس النقابة الزميل ناجي البغوري صعد إلى ما هو فيه الآن نتيجة انقسام جرى وسط "القائمة المنافِسة" (شق الهاشمي نويرة وشق محمّد بن صالح) صبيحة المؤتمر الأوّل للنقابة، أي أنّ رئيس النقابة الحالي كسب المنافسة لخلل في غيره وليس لقوّة في شخصه أو التفاف "قاعديّ" كبير حوله، وهذا ما فتح الأبواب لاحقا لحصول "شرعيّة" بتمثيليّة غير ثابتة وإفراز واقع غير مستقر ينبئ في كلّ حين بالتغيّر، وهذا ما تأكّد لاحقا بمناسبة انتخابات اللجان حيث عاد "الوئام والانسجام" إلى "منافسي البغوري" وغنمُوا بشكل ساحق مقاعد مختلف اللجان وبدّلت قوانين اللعبة على عدّة مستويات وأساسا على مستوى المكتب التنفيذي الموسّع. برغم تلك المتغيّرات والتبدّلات فإنّ الوقائع أثبتت أنّ "ملحمة المؤتمر" أو خيبتها بقيت في الأنفس ولم يتزحزح كلاهما في اتجاه توفير مجال للتحرّك بأريحيّة وتحقيق أدنى درجات التوافق حماية لمصالح القطاع ولحقوق وتطلعات المنخرطين في النقابة، بل على العكس من ذلك تزايد التباين وانجرّت الأمور إلى واقع انقسام حقيقي ليس من حلّ لتجاوزه بحسب لا القانون الداخلي للنقابة فقط – وهو في منزلة عليّة- بل كذلك بحسب المنطق وضرورة إعادة التجانس داخل الهياكل النقابيّة المختلفة وفتح قنوات تفاوضيّة جديدة لتفعيل المطالب النقابيّة للقطاع ، حلّ قد لا يتوفّر دون الالتجاء قسرا إلى انتخابات جديدة تُؤسّس لشرعيّة جديدة وتمثيليّة أكبر.