"الرافل" في الشارع التونسي: وسط الحيرة والاضطراب وغياب مصادر الخبر الرسميّة ما حقيقة "الرافل" الّذي كثُر الحديث عنهُ هذه الأيام بين أوساط الشباب ووسط مختلف العائلات، أحاديث عديدة ومتنوّعة أوجدت ما يُشبه دوّامة من "الإشاعات" والأقاويل والأقاويل المضادّة ، ووسط حالة عدم نشر أيّة أخبار رسميّة عن تلك المسألة سعت جريدة "الشروق" اليوميّة إلى البحث في هذا الأمر ونقلت بقلم الصحفي فاضل الطياشي ما يلي تحت عنوان: "الرافل" شامل هذه الأيام والأسباب متعددة: هاربون من الواجب الوطني ومطلوبون للعدالة في «كمّاشة» الأمن !
تونس "الشروق": لا حديث هذه الأيام لدى جانب هام من الشبان الذكور إلا عن الحملة الموسّعة التي أدّت مؤخرا الى توجيه عدد هام منهم نحو الثكنات العسكرية بعد أن اتضح تهرّبهم من أداء الواجب الوطني، رغم بلوغهم السن القانونية. وعاد الحديث بين صفوف الشبان، اثر هذه الحملة، عن «الرافل» الذي يفيد بالمعنى المتداول الحملات المفاجئة الموجهة أساسا لاستقدام الشبان بصفة اجبارية لأداء الخدمة الوطنية، رغم ان هذه الطريقة (رافل التجنيد) وقع التخلي عنها في بلادنا منذ سنوات، بإذن من رئيس الدولة، وأصبح التقدم للواجب العسكري يتم بصفة تلقائية من الشبان بعد بلوغهم سن العشرين وإلا يكون المعني بالأمر عرضة للتتبعات العدلية وفق القوانين الجاري بها العمل.. فهل تمت العودة فعلا لطريقة الرافل العسكري» بعد التخلي عنها منذ حوالي سنة 2003؟ حملة عامة علمت «الشروق» ان حملة الأيام الأخيرة، والتي من المنتظر تواصلها لأيام أخرى، هي حملة أمنية عامة وعادية الغاية منها البحث عن عدد من المفتش عنهم لفائدة العدالة بشكل عام، وهم أساسا اشخاص يحاولون التحصّن بالاختفاء وبالفرار إثر صدور أحكام قضائية ضدهم في قضايا مختلفة.. هذه الأحكام هي في جانب هام منها صادرة في قضايا مدنية وجزائية مختلفة عن محاكم الحق العام، لكن في جانب آخر منها صادرة ايضا عن المحكمة العسكرية بتونس ضد كل من لم يتقدّم تلقائيا لتسوية وضعيته إزاء الخدمة العسكرية بعد تلقيه استدعاء في الغرض. وبالتالي يمكن التأكيد ان الحملة الأخيرة ليست «رافل عسكري» وأن هذا الأخير لم يعد الى التطبيق كما ذهب الى ذلك كثيرون بل كل ما في الأمر هو حملة عامة تجاه جميع المفتش عنهم لفائدة العدالة لكنها تزامنت مع دورة التجنيد لشهر جوان وأفرزت بالتالي عن إيقاف عدد من المتهربين من الواجب الوطني. كيف يصبح الشاب مفتشا عنه «عسكريا»؟ ينصّ القانون عدد 1 لسنة 2004 المتعلق بالخدمة الوطنية انه يجب على كل مواطن بلغ من العمر 20 عاما أن يتقدم تلقائيا لأداء الخدمة الوطنية ويبقى ملزما بأدائها الى حين بلوغ سن 35 عاما. وحسب الاجراءات المعمول بها فإن رئيس فرقة التجنيد والتعبئة بالحرس الوطني هو من يتولى بصفة دورية تبليغ استدعاءات شخصية لكل مواطن شمله الاحصاء وبلغ من العمر 20 عاما كاملة، يطلب منه التقدم لتسوية وضعيته إزاء الخدمة العسكرية، عندئذ يتقدم المعني الى لجنة التجنيد بالمعتمدية لهذا الغرض (التسوية) وذلك إما بأداء الخدمة فعلا او بالحصول على إعفاء نهائي او على تأجيل وقتي وعندما لا يتقدم الشاب تلقائيا لذلك، تقع إحالة ملفه الى المحكمة العسكرية التي تصدر في شأنه حكما قضائيا يقضي بإجباره على أداء الخدمة الوطنية.. وتستدعي المحكمة العسكرية اصحاب الملفات للمثول أمامها يوم الجلسة، لكن غالبا ما لا يحضر المعني في ذلك اليوم، ويصدر ضده الحكم بالتالي غيابيا. وكما هو معمول به في القضاء العدلي، فإن من لا ينفّذ الأحكام القضائية العسكرية الصادرة ضدّه تقع إحالة هويته على الحاسوب المركزي للأمن الوطني ويكون بالتالي عُرضة للإيقاف في أي وقت ومكان إثر عمليات التثبت من الهوية (بناء على بطاقة التعريف الوطنية) من قبل أعوان الأمن الوطني.. بلا إستثناء.. أحيانا، يعتقد الشبان الذين يزاولون دراستهم او الذين لا تتوفر فيهم الشروط الصحية (اعاقة مرض) أو المتزوجون او في كفالتهم أبناء او عائلة أنهم معفيون آليا من أداء الواجب العسكري وأن أسماءهم غير مدرجة بقائمة المطلوبين لهذا الواجب. لكن هذا الاعتقاد خاطئ تماما لأنه لا يوجد اعفاء آلي، لأن كل من بلغ سن العشرين هو في نظر المصالح المعنية بالتجنيد مدعو للخدمة العسكرية وهو كذلك في نظر المحكمة العسكرية لأنه عند إحالة ملفه أمامها لا يمكنها ان تعلم أن هذا تلميذ والآخر طالب والثالث معوق أو متزوّج.. وتصدر أحكامها ضد الجميع بلا إستثاء، وتدرج اسماء كل الصادرة ضدهم أحكام في الحاسوب المركزي للأمن الوطني، وهذا ما يفسّر ان بعض التلاميذ والطلبة والمتزوجين والآباء والمتكفلين بعائلاتهم وحتى الذين يعانون من عاهات صحية وجدوا أنفسهم في الحملة الأخيرة ضمن قائمة الموقوفين من قبل أعوان الأمن لأنهم مطلوبون من القضاء العسكري. تسوية الوضعية تتم تسوية الوضعية إما بأداء الخدمة العسكرية فعلا أو بالحصول على إعفاء نهائي او على تأجيل وقتي. ويُعفى نهائىا من هذا الواجب كل من تثبت عدم صلوحيته طبيّا او كل من ثبت انه قائم بشؤون عائلته بصفة نهائية لكفالة فرد أو عدة أفراد (متزوج وله ابن او متزوج منذ عامين وليس له أبناء او متكفل بأحد والديه..) او كل من تجاوز سن 35 عاما او ثبت انه لا يزال يعمل ويقيم بالخارج بعد سن 28 كما يمكن منح تأجيل وقتي مدة عام واحد قابل للتجديد (ومن الضروري تجديده) كل من له أخ بصدد أداء الخدمة العسكرية او القائم مؤقتا بشؤون عائلته او المزاول لتعليمه او العامل المقيم بالخارج حدّ سن 28 عاما. تعطيل قد يعتقد كثيرون، ممن تتوفّر فيهم شروط الاعفاء او التأجيل انه لا فائدة من التقدم لتسوية الوضعية وأنه عندما يقع ايقافهم يثبتون ذلك ويقع إطلاق سراحهم. لكن ما لا يعلمه كثيرون هو أن عدم تسوية الوضعية يؤدي بالمعني أحيانا الى تعطيلات هو في غنى عنها مثل تعطيل الانتداب بالوظيفة العمومية او تعطيل السفر للخارج وذلك عندما تكون هويته مدرجة على حاسوب المفتش عنهم لفائدة العدالة... لذلك فإن أفضل طريقة لتفادي ذلك هي تسوية الوضعية تلقائيا، وهي عملية سهلة ويمكن القيام بها بأحد المراكز الجهوية للتجنيد والتعبئة او بمكاتب الخدمة الوطنية بالولايات ولا تتطلب وثائق عديدة او وقتا طويلا. فاضل الطياشي أرقام 70 ألف، هو عدد الشبان الذين يتم نظريا احصاؤهم كل سنة لأداء الواجب العسكري بعد بلوغهم سن 20 . سنة 2008، بلغ عدد المجندين ثلث الحاجيات الحقيقية للبلاد. رغم عزوف الشباب عن التجنيد، الا انه يوجد إقبال على الانتداب بالمدارس العسكرية من حوالي 8 آلاف حاصل على الباكالوريا سنويا. ما انفكت حاجة البلاد للمجندين ترتفع من سنة الى أخرى وذلك بسبب ارتفاع عدد المشاريع التنموية التي يساهم فيها الجيش التونسي (بناء جسور طرقات سدود تهيئة الغابات الصحراء..). التعيينات الفردية هي شكل من أشكال الخدمة الوطنية وتشمل الموظفين بالإدارات والمؤسسات وأصحاب المهن الحرّة والمشاريع الفردية الخاصة.. وتتم هذه العملية من خلال المساهمة المالية للمجند (مدة سنة) إضافة الى تكوين عسكري أساسي مدته 21 يوما مسترسلة بأحد مراكز التدريب المخصصة وتتوزّع المساهمات المالية كما يلي: 30 من الأجر بالنسبة لمن يتقاضى من مرّة الى مرتين الأجر الأدنى المضمون. 40 من الأجر بالنسبة لمن يتقاضى من مرتين الى 4 مرات الأجر الأدنى المضمون. 50 من الأجر لكل من يتقاضى أربع مرات فأكثر الأجر الأدنى المضمون.
الثلاثاء 9 جوان 2009 الساعة 10:38:33 بتوقيت تونس العاصمة