لم يصدر مشروع قانون المالية لسنة 2014 بصفة رسمية بعد. ولكن لا حديث في الأوساط المالية والاقتصادية، إلا عما تسرب إلى حد الآن من معلومات حول هذا المشروع. بعض هذه التسريبات قد تكون مجرد «بالونات» اختبار لرصد مدى تأثيرها على المعنيين بمختلف الإجراءات الواردة في مشروع القانون، ولردود أفعالهم المنتظرة خاصة. وقياس ما إذا كانت «الحربوشة» ستمر بسهولة. وربما لذلك لازمت الجهات الرسمية الصمت ولم تنف إلى حد الآن أيا من هذه التسريبات . تتخبط الحكومة منذ فترة في البحث عن حلول لسد «ثقب» ميزانية 2013. وهي كثيرة العدد، وكبيرة الحجم أحيانا. وواضح «وجع الرأس» الذي تعاني منه الحكومة هذه الأيام لتعبئة الموارد الناقصة في هذه الميزانية. ومن المؤكد أن هذه المصاعب ستتواصل خلال السنة المقبلة. وهو ما يفسر ما جاء عليه قانون المالية 2014، الذي وصفه أحد الخبراء في ميدان المحاسبة ، أنه من أسوا ما عرف من قوانين مالية طيلة مسيرته المهنية الطويلة ، وأنه يحتوي على العديد من الألغام التي ستخلق مشاكل كثيرة ومتاعب عديدة لأكثر من جهة. الفلسفة التي قام عليها مشروع قانون مالية 2014، استندت بالأساس إلى البحث عن موارد جبائية جديدة لميزانية الدولة بأسهل الطرق. وليس أسهل في هذا المجال من توظيف زيادات وأداءات جديدة لا يتطلب رفعها جهدا كبيرا .
ولئن كان لبعض الشرائح والفئات - من غير الأجراء - هياكلهم المهنية أو النقابية التي ستتولى تبليغ مآخذهم وملاحظاتهم حول مشروع قانون المالية هذا، على أمل مراجعة بعض الفصول التي تعنيها، فإنه لا شيء يضمن أن الأجراء والموظفين سيجدون من يوصل صوتهم – ولا تعولوا كثيرا في هذا الصدد على نواب المجلس الوطني التأسيسي، المنسحبون منهم وغير المنسحبين، المنشغلون منذ أشهر بملفات أخرى تهمهم أكثر- . يرى البعض في مشروع قانون المالية 2014 إضعافا جديدا للطبقة الوسطى. ويجزمون أن هذه الفئة ستقدم من جديد القسط الأكبر من التضحيات .. حيث وجد القائمون على إعداد مشروع قانون المالية في الطبقة الوسطى «صيدا سهلا» لمحاولة معالجة العلل المزمنة لميزانية الدولة، أو لتسكين آلامها ظرفيا على الأقل. فعندما تقتطع الضريبة مباشرة وبقوة القانون من عند المؤجر، فهذا أحسن ضمان أنها ستصل إلى خزينة الدولة في الموعد ودون مماطلة ولا تلكأ، أو بيع وشراء. فالطبقة الوسطى ستكون المعنية الأولى بالرفع في الضريبة على الدخل - دون أي سقف هذه المرة - . وهي بالطبع معنية بالزيادة في معلوم الجولان على الطرقات. وبكل الإجراءات المنتظرة الأخرى. كذلك فإن كل من له سكن ثان من بين هذه الشريحة سيدفع ضريبة جديدة للدولة. لذلك يرى البعض في هذا التوجه إجحافا في حق الطبقة الوسطى، ليس مقارنة بالفئات الضعيفة المتواضعة التي يتحدث البعض عن إمكانية إعفائها من الضريبة على الدخل أصلا - «صحة وفرحة» - ولكن بسبب عدم تكليف القائمين على إعداد قانون مالية 2014 أنفسهم عناء البحث عن موارد مالية أخرى من خارج الطبقة الوسطى، مثل بعض المهن الحرة التي لا يكاد بعض العاملين فيها يدفعون أي شيء لخزينة الدولة. رغم أن مداخيلهم تفوق بكثير ما يحصل عليه موظف أو أستاذ أو إطار أو فني سام – اللهم لا حسد- . كما لا يفهم البعض لماذا لم يتوجه اهتمام «مهندسي» قوانين المالية مطلقا، إلى إعادة النظر في منظومة الأداء التقديري التي يتمتع بها البعض دون وجه حق. ولمَ، لم تقم مصالح وزارة المالية إلى حد الآن بأي فرز موضوعي يمكن من إعادة تصنيف بعض هؤلاء على قاعدة من يستحق فعلا أن يكون ضمن هذه المنظومة، ومن عليهم الخضوع للنظام الفعلي. في حين يتساءل البعض الآخر لماذا لا تكاد الدولة تفعل أي شيء جدي للتصدي لظاهرة التهريب التي فاقت كل التصورات والحدود، وأصبحت تمثل نزيفا مفتوحا لمواردها، فضلا عن الخراب الذي تسببه للاقتصاد المنظم وبالتالي لدافعي الضرائب. هل هي بداية تهاوي الطبقة الوسطى في تونس..؟ وهل يعي المعنيون بالأمر ما يمثله ذلك من مخاطر اقتصادية واجتماعية على المدى البعيد، وحتى المتوسط.. ؟