فقد العالم العربي أحد عمالقة الفن المطرب وديع الصافي... فغاب الصفاء عن سماء الأغنية العربية . سافر في هدوء... ودون وداع ! وترك جبال لبنان وشجرات أرزّه ومواويله مجروحة الفؤاد مبعثرة الدموع شاهقة «على الله تعود» وصارخة: لماذا تعجلّت الرحيل... يا «حيف يا زمن»...بالأمس واليوم وغدا ولبنان وتونس ومصر... و كل عشاق فنّ الزمن الجميل حزنوا على رحيل الخالد... وديع الصافي ! خطفت يد المنون الفنان الكبير وديع الصافي وقد تخّطا سنواته التسعين بعد عمر من العطاء والغناء للوطن والقرية والجبل ... وبعد مسيرة فنية خصبة تشبه شجرة الأرز المعمّرة في لبنان. وفي عشية الغد ستقام مراسم دفن عملاق الفن العربي واللبناني وديع الصافي على الساعة الرابعة مساء بكنيسة «مار جرجس» وسط بيروت وسيدفن وديع الصافي الجسد ولكن وديع الصافي الصوت سيظل خالدا خلود الكبار والعظماء....فحتما لا يستطيع شبح الموت أن يقبض أنفاس أغنيات الصافي العذاب,على شاكلة «هوى الوديان» و«تروحلك مشوار»و «حبي اللي تركني وراح»... الصوت ... لا يموت ذاع الخبر مدوّيا ,مفزعا ,صادما ... برحيل فنان المواويل وصاحب الصوت الجبلي الأصيل فغصّت مآقي محبّي هذا العظيم ومعارفه بالعبرات وكان حجم الفاجعة أكبر من كل الدموع . وبدورهم تفاعل النجوم والمشاهير مع هذا الرحيل المؤلم فانصرفوا ينعون وديع الصافي وصفاء صوته ... إنه «أرزة من أرزات لبنان هوت اليوم وجبال لبنان انحنت حزنا واتشحت بالسواد على رحيل العملاق الكبير» هكذا شاءت الشحرورة صباح أن تنعى على طريقتها رفيق دربها وصديق عمرها وديع الصافي .و تابعت قائلة:« الله يرحمك يا أستاذ وديع ,تغمدك الله بواسع رحمته وجعل مثواك الجنة إلى جانب الأبرار والقديسين ...الله معك يا كبير ...سوف تبقى خالدا في قلوبنا وخالدا بفنك الأصيل وبأغانيك وبأعمالك العظيمة التي ستبقى محفورة على جدار الزمن وفي تاريخ الفن اللبناني العريق ...فلتسترح نفسك في السماء ...». ومن أهم بكائيات النجوم في نعي فقيد الفن العربي ما كتبته الفنانة نجوى كرم التي شاركت الراحل في رائعة «وكبرنا », قائلة: «إنشاء الله نفسك بالسما يا أستاذ وديع ,إلي أكرمك عالأرض ما راح بيبخل عليك بالسما!». الصافي ...لم يرحل ! ومن أعذب الكلمات في رثاء العملاق وديع الصافي ,ما كتبه الشاعر والصحافي والمؤلف الموسيقي اللبناني حبيب يونس قائلا باللهجة اللبنانية :« وديع الصافي... يا قطعا من قلبي... يا شمس بزاكرتي ما بتغيب... صوتك قيامي. صافي مِتِلْ زِرْقِةْ سَما بِبْلادِنا...مِتِلْ مَيِّةْ نَبِعْ هادِرْ وِصافي ...مِتِلْ قَلْب الطِّفِلْ طَيِّبْ وِصافي...وَديع... وْقول لِبْناني وِصافي...مَجِدْ لِبْنان... بِصَوْتو نْطَرَبْ». ومن بين ردود فعل السياسيين على رحيل الفنان وديع الصافي , النعي المؤثر لرئيس حزب القوات اللبنانية «سمير جعجع» في بيان جاء فيه: «لحكمة، خلق الله الصوت محسوسا غير ملموس، لا يمس ولا يمكن التقاطه بيد، لان نفس الحرية فيه وروح الخلود, ولهذه الحكمة بالذات لن يرحل وديع الصافي إنما سيبقى خلود أرز لبنان. نودع اليوم الوديع الذي حمل لبنان في قلبه واستقر على جباله كما النسور، لن ننسى ارتجاجات صوته داخلنا في الزمن الصعب، ولا تهدجات الصخور الباردة أمام لبنان قطعة سماه، التي أدفأها حبا وقلبا، نم قرير العين يا وديع، فإن لبنان الذي أحببت لن ينتهي...» قالوا عنه... هكذا هم العمالقة لا تكون حياتهم أبدا مجرّد محطات عابرة وحين يرحلون لا يكون وداعهم صامتا بل يخلفّون وراءهم ألف ذكرى وأكثر من أثر... ولأن الفنان وديع الصافي جبل من جبال لبنان الشامخة وشجرة من شجرات أرزه المعمّرة ودائمة الخضرة, أربك حضوره ووجوده عمالقة عصره... ومن أجمل ما قيل في الهرم اللبناني وديع الصافي ما قاله عنه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب «إنه أجمل صوت في الشرق وحالة نادرة في الغناء العربي».. «أما الملّحن الكبير رياض السنباطي فأقرّ :« لا أتصور أن في تاريخ الغناء كله صوتاً بهذه الروعة وهذا الجمال وهذه القدرة العالية في الأداء باستثناء صوت أم كلثوم الخرافي»... وقال عنه العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ :«أمام صوت وديع الصافي يجب أن نذهب ونبيع الترمس»!... و يجمع كل من خبر صوت وديع الصافي وأرهف السمع لصدحاته وشطحاته وآهاته على أن الخامة الصوتية لصاحب «عندك بحرية» و«الليل يا ليلى» و«و كبرنا»... نادرة واستثنائية ... وقيل عن الراحل إنه أحد أهم محركات النهضة الموسيقية اللبنانية التي أسست بالمادة الموسيقية الريفية حركة موسيقية مدنية جديدة... وربما من أنسب سطور الرثاء في رحيل عملاق لبنان والأغنية العربية الأصيلة وديع الصافي, تلك الأبيات التي أنشدها الر احل ذاته في ذكرى وفاة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب والتي تقول: «كل ما حاولت أن أنظم فيك شعري...هربت مني القوافي حالمات وهي تجري ...قائلات ليس بالإمكان في شعر ونثر ...وصف من قد أذهل التاريخ في فن وفكر...».