من مبعوثنا الخاص إلى طنجة- مالك السعيد أسدل الستار مساء السبت الماضي على الدورة الحادية عشرة للمهرجان المتوسطي للفيلم القصير بمدينة طنجة عروس الشمال المغربي بالإعلان عن المتوجين. وقد فاز فيلم«37درجة فاصل أربعة» من فرنسا بالجائزة الكبرى فيما آلت جائزة لجنة التحكيم لفيلم«اللعنة» للمغربي فيصل بوليفة وفازت بطلته إبتسام زبارة بجائزة أفضل دور نسائي. أما جائزة الإخراج فكانت من نصيب فيلم«بخار» للتركي عبد الرحمان أونر، وفاز بجائزة السيناريو فرنشسكو نيكولاي وفيتو بالميري من إيطاليا عن فيلم «ماتيلد» وتوج فيلم»إنترو» بجائزة أفضل دور رجالي للممثل بيتار نوفاكوفيتش وأسندت لجنة التحكيم التي ترأسها المغربي كاتب الدولة السابق للشباب محمد الكحص جائزة الشباب لفيلم «قرة عيني» من إسبانيا. ولافت للانتباه أن تونس غابت عن منصة التتويج للعام الثالث على التوالي، إذ يعود آخر تتويج للسينما التونسية إلى سنة 2010 تاريخ تتويج فيلم»تنديد» لوليد مطار بجائزة السيناريو . وعلى الرغم من أن كل مسابقة يحكمها قانون الفوز وعدم الفوز(حتى لا نقول الخسارة) فإنه يمكننا القول ودون أي تحيّز إن فيلم«يد اللوح» لكوثر بن هنية كان يستحق تنويها ما في دورة هذا العام، ذلك أن كوثر تمكنت من طرح موضوع مهمّ هو التعليم الديني في الكتاتيب من خلال شخصية طفلة في الخامسة من عمرها (أميرة) تبتكر ذريعة لتتغيب عن درس المؤدّب بأسلوب ساخر وبأداء مقنع للطفلة ياسمين بن عمارة والممثل أحمد الحفيان الذي أثبت أن النجومية الحقيقية للفنان هي في صدق أدائه وحرفيته بعيدا عن الإستعراضات في البلاتوهات التلفزية أو في أغلفة المجلات بعناق متعدد الأضلاع لحواء، وتظل إختيارات لجان التحكيم دائما مثيرة للجدل ، لأن دورة هذا العام لم تخل من أفلام شاركت في مهرجانات عالمية مثل برلين وكان وبدرجة أقل روما، ولكنها لم تحرز أي جائزة في طنجة. وهناك عدة افلام جديرة بالتنويه نذكر من بينها«كولونا» من كوسوفو الذي يتوقف عند إحدى لحظات الحرب الصربية على ألبان كوسوفو نهاية التسعينات من القرن الماضي وكيف يضطر رجل إلى إنقاذ إبن أخيه اليتيم والتضحية بإبنه ، ومن قبرص فيلم«آنا» عن مسنّ يمضي أيامه الأخيرة منتظرا الموت بسلام في ظل لامبالاة إبنته الوحيدة مقابل إهتمام الخادمة الفليبينية «ماري» ورعايتها له ولكن الرجل يصر على مناداتها ب«آن» لنكتشف لاحقا أن« آن »هي المرأة الوحيدة التي أحبها دون أن يتمكن من الزواج بها. فيلم آخر أثار جدلا واسعا في كواليس المهرجان هو «خلفي شجر الزيتون» للبنانية بسكال ابو جمرا ومن بطولتها أيضا عن قصة حقيقية لفتاة إبنة جندي بجيش إميل لحد الذي خدم سنوات طويلة لفائدة إسرائيل وحين إقتلع الإحتلال الإسرائيلي سنة 2000 من جنوب لبنان لم تجد أسرة زينب من حل سوى اللجوء إلى إسرائيل ، وعندما تخلى الأب عن عائلته اضطرت مريم للعودة إلى قريتها ولكنها وجدت نفسها غريبة بين أهلها؟؟؟ كما لا يمكن القفز على فيلم السوري بسام شخيص «فلسطين صندوق الإنتظار للبرتقال» الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» 2013 في قسم الأفلام القصيرة ، ولكن من الواضح أن أمزجة لجان التحكيم تتغير من مهرجان إلى آخر .... وحتى نكون منصفين لمهرجان طنجة للفيلم المتوسطي القصير الذي نواكبه منذ أربع سنوات بلا انقطاع فلابد من الاعتراف بأن هذه الدورة التي شهدت تخفيضا في ميزانية المهرجان بنسبة أربعين في المائة قد جمعت بين متناقضين، صحيح أن البعض – وربما الكثيرين –قد تأسفوا لإلغاء عشائي الافتتاح والاختتام ونحن على خلاف هؤلاء ننوه بهذا الإلغاء فحفلات العشاء كانت فرصة لعشاق الموائد «البلوشي»(المجاني لمن لا يحسنون اللهجة التونسية دقيقة التعبير والوصف) لا لعشاق السينما فكنت ترى وجوها متحفزة لإلتهام كل ما سيقع بين أياديها وكثير من هؤلاء لا يعلمون لأي مناسبة ينتظم العشاء أصلا. ما لفت نظرنا في الدورة الحادية عشرة هو ارتفاع مستوى الأفلام المنتقاة وربما كانت دورة هذا العام أفضل دورات المهرجان من حيث المستوى العام للأفلام، ويفسر هذا التميز بالإقبال الكبير من المخرجين الشباب في دول المتوسط على المشاركة في مهرجان طنجة مما يتيح للجنة الاختيار انتقاء أفضل ما يعرض عليها كما أن المبرمجين باتوا ينتقون أفضل الأفلام القصيرة من دول المتوسط التي تعرض في المهرجانات الكبرى(كان،برلين،كلارمون فيران...) ، كما شهدت هذه الدورة غربلة في صفوف الصحافيين الذين يدعون لمتابعة المهرجان، باستقطاب أسماء مهمة في النقد السينمائي من أبرزها الناقد الفلسطيني-السوري بشار إبراهيم مقابل التخلي عن فئة من الصحافيين كانت تخصص إقامتها بطنجة أيام المهرجان للتجول بين تطوان وأصيلة والفنيدق والوصول حتى سبتة للتبضع والتقاط الصور هنا وهناك دون ان تكلف نفسها عناء مشاهدة فيلم يتيم ولو من باب الأخذ بالخاطر أو تسجيل الحضور. غير أن هذه الدورة «المتميزة» بنوعية أفلامها وصحافييها سجلت حوادث لم يألفها المهرجان وليست من شيمه كالتأخير في إنطلاق العروض بما يناهز ثلثي الساعة أحيانا كما أن تقنية العرض كانت سيئة وأضرت ببعض الأفلام وخاصة الشريط المصري «فردي» لكريم الشناوي في أداء لم نعهد له مثيلا لخالد النبوي الذي تخلص من نجوميته وقدم دورا استثنائيا لطبيب مسيحي الديانة يجد نفسه مضطرا لمجاراة جيرانه – المسلمين- في إحتفالهم بعودة المصعد للاشتغال ... أما طنجةالمدينة فهي حظيرة أشغال مفتوحة على الدوام ولكن هذا التطور الإقتصادي لمدينة البوغاز(المضيق) كما يطلق عليها في المغرب تزامن مع إرتفاع ملحوظ في الأسعار وفي عدد المتسولين والمتشردين وفي عدد الأفارقة (من السود) الحالمين بالانتقال إلى الضفة الأخرى من المتوسط ... وحتى نستفيد مما يحدث عند جيراننا، فإن مخرجا تونسيا هو إلياس الصفاقسي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان طنجة بأول فيلم في حياته هو«عبد الرحمان» وإلياس هذا لأب تونسي من حمام الأنف وأم فرنسية، فهل سألنا أنفسنا لماذا لا تستقطب تظاهراتنا السينمائية أبناء تونس من الجيلين الثاني والثالث في دول المهجر؟ إلى متى تتعامل حكوماتنا العتيدة مع «المهاجرين» باعتبارهم مناسبة فولكلورية، إذ تخصص البرامج التلفزيونية للحديث عنها لا ليتحدثوا هم عن مشاكلهم ويتم استقبالهم بالياسمين بمناسبة التصوير التلفزيوني وحضور السيد الوزير ثم لا يجد العائدون سوى ما ينفرهم من التفكير في العودة لوطنهم لما يلاقونه من ممارسات ليس هذا المقال الحيز الأنسب لتعدادها.... إنتهى مهرجان طنجة وألف سؤال وسؤال تبقى معلقة، متى يفعّل المركز الوطني للسينما والصورة ويتصدى لمهامه بشكل فعلي؟ متى يعاد النظر في صيغ دعم السينما التونسية من طرف وزارة الثقافة ومن التلفزيون العمومي أيضا ومن المؤسسات الإقتصادية، ومتى يعلن وزير الثقافة عن مدير الدورة القادمة لأيام قرطاج السينمائية إلا إذا كانت النية متجهة لتأبيد محمد المديوني على رأس هذه التظاهرة لتتكرر مهازل الدورة الماضية ...وكأن الساحة خلت إلا من فارس وحيد يحسن قيادة الأيام ...