بقلم: مصطفى قوبعة في الوقت الذي لوّحت فيه مؤسّسات النقد العالمية وفي مقدمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وقبلهما البنك الإفريقي للتنمية عن تعليق التعامل مع الحكومة التونسية، يواصل السيد وزير المالية في سياق تدخلاته الإعلامية لتقديم مشروع ميزانية 2014 مفاجأة الرأي العام بأخباره السارة جدا وآخرها قرار الترفيع في أسعار مشتقات الحبوب والحليب ومشتقاته فضلا عن إشارات سابقة لتعديل أسعار المحروقات ولتوظيف معاليم جديدة على السيارات الشعبية وغيرها من الإجراءات اللاشعبية في مضمونها وفي أهدافها. ويجد السيد وزير المالية تبريرا وحيدا لهذه السلسلة من المفاجآت يتمثّل في ضرورة مراجعة هيكلية لمنظومة الدعم «غير العادلة» من وجهة نظره. والغريب في الأمر أنّ السيد الوزير يتحدّث في كلّ مرّة عن إجراءاته الجديدة بكلّ أريحية وغير مبال بالمرّة بانعكاساتها السلبية على الأوضاع المعيشية للمواطن التونسي خصوصا وعلى الأوضاع الاجتماعية للبلاد عموما. إن منظومة الدعم هي مكسب وطني، ولا شيء يمنع من مراجعتها ومن مراجعة آلياتها ومجالات تدخلها، ولكن القاعدة والظرف يقضيان أن تكون هذه المراجعة موضوع استشارة وطنية تكون توصياتها ملزمة للحكومة المؤقتة، وتشارك فيها إلى جانب ممثلي الإدارة المنظمات الاجتماعية والمهنية والأحزاب السياسية وخبراتها الوطنية في مجال المالية العمومية. إن الحديث عن مراجعة هيكلية لمنظومة الدعم تجري وراء الأبواب المغلقة يعني: 1 من حيث المبدأ أنّه تفرّد غير مقبول من وزير المالية وفريق مستشاريه المحليين والأجانب بموضوع في غاية من الحساسية ومن التعقيد، فالأمر هنا لا يتعلق بتعيينات في مناصب عليا في مصالح ومؤسسات وزارة المالية أو بمعالجة في مناصب عليا في مصالح ومؤسسات وزارة المالية أو بمعالجة ملفات معينة والتعاطي معها بحسابات سياسوية أو حزبية، وإنما يتعلق الأمر بقوت المواطن بأبسط حق من حقوقه. 2 من حيث المضمون، فإن الإجراءات المعلن عنها توحي بأن السيد الوزير على درجة عالية من قلة الحرفية ومن ضيق الأفق تجعله ينساق وراء الحلول الإجرائية الأكثر سهولة دون تقدير عواقبها على الجميع. 3 من حيث توازي الشكليات فإن الأمور ستزداد تعقيدا مع غياب حدّ أدنى من إجراءات المساندة التي كانت تقليديا ترافق التعديلات السابقة على منظومة الدعم بهدف التخفيف من آثارها خاصة على الفئات الشعبية الأكثر احتياجا. 4 من حيث المنهج، فإن آخر ما أعلن عنه السيد وزير المالية يمثل تواصلا مع ما أعلن عنه سابقا من إجراءات منها بالخصوص تجميد الأجور وتقليص مجهود الانتدابات في القطاع العام إلى أدنى المستويات في وقت يتعطّل فيه مجهود القطاع الخاص في دفع نسق التشغيل. بهذه الإجراءات العقيمة، يكاد السيد وزير المالية يستكمل تقديم ملامح ميزانية سنة 2014 ليعلن أمام الملأ أنّ الطبقات الفقيرة قدرها أن تبقى فقيرة إلى الأبد وأن قدر الطبقة الوسطى، الركيزة الأساسية للمجتمع التونسي هو التفقير لا غير. يستهدف السيد الوزير بإجراءاته الثورية الطبقة الوسطى في المطلق دون إدراك علمي وحقيقي لمكوناتها ولتركيبتها ولمعاناتها اليومية ولتطلعاتها المشروعة ودون فهم جيّد لدورها في تماسك المجتمع وفي استقراره. وفي الظّرف الذي يستوجب فيه العمل على تعبئة كل الجهود والقدرات لحماية الطبقة الوسطى وخاصة توسيعها بتأمين حدّ أدنى من الرفاه الاجتماعي للشرائح الاجتماعية الفقيرة، يمعن السيد وزير المالية في استهداف الطبقة الوسطى آخر صمّامات الأمان لهذا المجتمع فلا يأتي إلاّ بما من شأنه أن يعمل على اندثارها التدريجي. تستفحل الأزمة السياسية وتتحفّظ أكثر الدول والمؤسسات المالية المانحة تجاهنا وتكتمل منظومة الإحباط بمشروع ميزانية لسنة 2014 هو نذير شؤم علي البلاد والعباد.