اعتبرت أغلب أحزاب المعارضة 15 نوفمبر اليوم الأخير لحكومة علي العريض مستدلّة في ذلك ببيان جبهة الإنقاذ الذي أصدرته عقب تلقي رباعي المبادرة لرسالة العريض، إذ بيّنت أنّ رسالته حوّلت آليا حكومته إلى حكومة تصريف أعمال. هذا الموقف لن تكون له نتائج مباشرة على مجريات لقاءات الكواليس التي تجري الآن بين مختلف الأحزاب. أولا لأنّ المشهد السياسي مرّ بعديد المحطّات التي اعْتُبِرَتْ حاسمة سواء لهذا الطرف أو ذاك ومع ذلك لم ينجح أحدهما في الحسم لصالحه، ثانيا مرورهما إلى طاولة الحوار «غصبا» يُبَيّن قناعتهما بعدم القدرة على تجاهل الآخر. وقع تعليق الحوار بروتوكوليا ولكنه ذهب إلى أماكن أخرى فيها العلني وفيها ما يدور خلف الأبواب المغلَقة، فهل تحقق الكواليس ما قد تعجز عنه جلسات الحوار ؟. تبدو الصورة مفتوحة على كل الاحتمالات منها ما قد يُحَلْحِل الوضع المأزوم بالاتفاق على شخصية دون اعتراض من أطراف الحوار. ومنها أيضا ما قد يُغرِق السفينة بمن فيها وهو سيناريو غير مستبعد في ظلّ تعدّد الحسابات عند كل الأطراف. فالحوار في ظاهره بحث عن الحلول وفي باطنه محاولات متواصلة لإعادة التموقع السياسي في المشهد القادم بعد أن استنتجت قراءات الجميع أنّ كلا من «الترويكا» والمعارضة قد انتهيا في صيغتيْهما الحالية وسيتمظهر ذلك في القريب العاجل ب«ترويكا» ومعارضة جديدتيْن في مكوّناتهما. إعادة التشكّل هذه، بدأت إرهاصاتها الأولى تبرز في مواقف الجمهوري مثلا في تعاطيه مع جبهة الإنقاذ وأساسا النداء رغم محافظته على حبال التواصل، وخصوصا عند «المؤتمر» ومشتقّاته بعد تجمّعهم في كتلة نيابية لو بقيت متناغمة، ستصبح القوّة الثانية الضاغطة في المجلس لا يمكن تجاهل تأثيرها حتى على خيارات «النهضة» المحتملة في الحوار الوطني. كيف ذلك؟، نعتقد أنّ هذه الكتلة وأساسا المؤتمر المقاطع لحوار الرباعي، خَمَّن أنّ أيّ «نجاح» للحوار أي ذهاب العريض وتكوين حكومة مستقلة، يعني بالضرورة تنازلات قدّمتها «النهضة» ولن تكون نتائجها أقلّ من تحجيم دور «المؤتمر» في المشهد المستقبلي وخروجه نهائيا لا من الحكم فحسب بل حتى من حسابات الصندوق أولا (وقد بينت عمليات سبر الآراء على نسبيتها، «ضُمور» حجم الحزب) ومن جبهات الأحزاب المؤثِّرة ثانيا. وهكذا، فإنّ توقيت تشكّلها لم يكن اعتباطيا، بل تكتيكيا (بقطع النظر عن إمكانية تعطيلها لنتائج الحوار المعلّق) قد تجعل النهضة «تكبح» قراراتها إلى حين. فائتلاف «سلطة الشعب» أعاد في تصريحات قياداته ورقة قانون تحصين الثورة إلى الواجهة، وبعد أن كانت تظهر وتختفي حسب تكتيكات «النهضة»، ها أنّ مشروع القانون يصبح ورقة ضغط عليها من حليف لن يقبل بتوافقات يراها على حساب مستقبله السياسي!. نظريا، ستكون لحظة التصويت عليه بالرفض أو الإيجاب لحظات عصيبة على «النهضة»، إذ اعتبر الغنوشي نفسه أنه يفضل العدالة الانتقالية وأكد أنّ مشروع قانون التحصين هو من الماضي ولكن!، هل تغفر القواعد والقيادات الوسطى تصويت كتلة «النهضة» على المشروع بالرفض العلني له في المجلس التأسيسي؟ بما قد يُفْهَم منه حصول توافقات ضمنية تحت الطاولة ستمس بالضرورة مبدئية مواقف الحركة لدى أنصارها ؟ الأمر على غاية من التعقيد ولو أنّ نسبة تحققه تساوي الصفر فاصل، أي أننا نعتقد أنّ كتلة «المؤتمر» لن تمرّ إلى هذا الخيار بل تطالب «النهضة» بأن يكون للحزب مكان في توافقات الحوار الوطني حتى وإن لم يكن مشاركا فيه. بذلك، تقدّم الكتلة نفسها كحليف قوي للنهضة في حال استجابت لمطالبها وقد تجبرها على ذلك. وفي الحالتيْن، وضعت «النهضة» نفسها في وضعية غير مريحة: إنْ تراجعت عن بعض التوافقات مع أطراف الحوار لإرضاء الكتلة الجديدة قد تُجابَه بتصعيد من الطرف المقابل وأساسا جبهة الإنقاذ بما فيها الجمهوري دون نسيان اتحاد الشغل الذي لن يصمت على إفشال مبادرته. وإن تجاهلت «الهرسلة الناعمة»من المؤتمر، قد تعصف بها خلافات داخلية. مشاركون أو مقاطعون للحوار، يبدو أنّ «شجرة» الاختلاف على شخصية رئيس الحكومة تخفي «غابة» المناورات لإعادة التموقع تحضيرا للمرحلة القادمة.