«أنا ما ناكلش الغلّة ونسبّ الملّة» حكومة محمد الغنوشي كانت حكومة وفاق حصل مع بن علي لكنه فشل في السيطرة على الوضع «الكتاب الأسود موش وقتو» تدخلات أقنعت رئيس «النهضة» بالتخلّي عن قانون الإقصاء تسبيق تكوين الحكومة الجديدة على الإعداد للانتخابات خطأ أفشل الحوار حوار: أسماء وهاجر محمد الصحبي البصلي - دكتور في الطب منذ عام 1980 وهو أيضا ,باحث وجامعي وله منشورات عديدة في المجالات العلمية تقلد العديد من المناصب في مجاله –مدير الصحة والأمراض المهنية ومديرا عاما لمعهد الصحة والسلامة في العمل ... حصل على شهادة في علم الأوبئة واقتصادات الصحة ، وأجرى العديد من بعثات الخبراء.....نقابي اضطلع بالعديد من المهام النقابية وكان عضوا بنقابة الأطباء الداخليين والمقيمين في المستشفى (1978 ) والأمين العام للاتحاد العام للأطباء في تونس (1984-1986) ومؤسس جمعية البحر الأبيض المتوسط لمكافحة التدخين (1990 ) وكانت له مساهمة في المجال الإعلامي متعلقة اساسا بالبرامج العلمية المتعلقة بالصحة ...تقلد العديد من المناصب السياسية كنائب رئيس بلدية اريانة , ووالي مدنين ثم والي مدينة صفاقس قبل إقالته لأنه عارض التلاعب بنتائج الانتخابات ثم شغل منصب مدير عام للشؤون السياسية في وزارة الداخلية ...كما تم تعيينه سفيرا للهند, ونيبال , وسيريلنكا من 1998 الى 2001 ثم سفيرا في مدريد من سبتمبر 2001 الى نوفمبر 2004....ترأس إعداد الاجتماع الوزاري الأوروبي المتوسطي في إطار عملية برشلونة (فالنسيا أفريل 2002 ) شارك في اجتماع إعادة إعمار العراق (نوفمبر 2003) وكان عضوا في مجلس المستشارين ... في 2011 أسس حزب المستقبل. «التونسية» التقته في حوار تطرق فيه الى جملة من المواضيع التي تشغل الراي العام اليوم كما حاولت التعرف منه على كواليس الليلة الفارقة في تاريخ تونس 14و15جانفي وخفايا «هندسة» اللحظات الاولى للثورة التونسية ... بعد توقف الحوار ما هو السيناريو المرتقب؟ كان منتظرا عدم إثمار الحوار باعتبار طرحه الخاطئ، فقد قام على ما ليس مهمّا في تقديري. هدفنا الأساسي هو الإعداد لانتخابات شفافة وديمقراطية وسلمية لا البحث عن رئيس حكومة جديد وإعداد الانتخابات يتطلب تكوين هيئة مستقلة تشرف عليها ووضع قانون انتخابي والمصادقة على دستور البلاد لكن لا يرادف هذا الهدف ضرورة تغيير الحكومة الحالية لأنه في تقديري حكومة تكنوقراط جديدة أو غيرها ليست لوحدها كفيلة بتحقيق استقلالية الانتخابات وبالتالي وقع تسبيق تكوين الحكومة على الإعداد للانتخابات وهذا خطأ تسبب في فشل الحوار، زد عليه أن هذا الحوار غير وطني نظرا لغياب أحزاب ناشطة ذات وزن ومنظمات اخرى وطنية عنه وبالتالي فقد عدنا إلى المربع الأول ونجاحنا مستقبلا رهين تغيير الأولويات وتركيز آليات الإعداد للانتخابات بإشراف هيئة مستقلة ضمن قانون انتخابي واضح ودستور تام يحفظ حقوق كل التونسيين والتونسيات وإن كان هذا المسار يقتضي تغيير الحكومة فيمكننا التطرق إلى هذا الموضوع بتركيز حكومة وحدة وطنية لا حكومة تكنوقراط حتى تمهد المناخ السياسي الكفيل بإبراز حظوظ المتنافسين بكل ديمقراطية فيمكن للتونسي حينها اختيار من يحكمه بكل حرية ومسؤولية وهو أمر لا يستطيع اليوم فعله لفقدانه الثقة في السياسيين. هذه الثقة التي وجب على كل مجتمع ديمقراطي حر ان يغذيها ويسترجعها كي يستمر المسار. هل ترون أن المصالحة تبقى واردة في ظل الصراعات بين اليمين واليسار أم هي مجرد سفسطة سياسية؟ في تقديري لا يدور الصراع اليوم بين اليمين واليسار بل مع الاسف بين ما قبل 14 جانفي وما بعده. ثمة ثلة من السياسيين نادوا بشعارات فاقت الواقع المتاح ونددت برجال ونساء خدموا البلاد بكل نزاهة باعتبارهم خصوما سياسيين قد يكونون حاجزا لطموحاتهم السياسية وشهّروا بهم وبالنظام السابق الذي وان حاد عن مبادئه فلابد أن تكون العدالة التونسية الفيصل للحسم في مثل هذا الموضوع. الصراع إذن بين القديم والجديد صراع ضيع هامش الحرية الذي غنمناه بعد 14 جانفي. وفي اعتقادي فان هذا الصراع المفتعل سيزول وسيعود الحوار في الحملة الانتخابية القادمة بين التوجهات السياسية الثلاثة لا غيرها والتي تشكل الشارع التونسي حيث لها مرجعياتها الايديولوجية وهي اليسار بكل أطيافه، والفكر الاصلاحي بزعامة العائلة الدستورية الواسعة والتي برزت فيها مكونات مختلفة، واخيرا المرجعية الاسلامية على تنوع مشاربها وتتزعمها حركة «النهضة» ولا تستطيع أي من هذه المرجعيات التفرد بالحكم وحدها بل عليها أن تتعايش سياسيا في هذه المرحلة بالذات وأساس هذا التعايش هو المصالحة الحقيقية، اعني مصالحة التونسي مع تاريخه بكل ايجابياته وسلبياته وإن لم نحقق هذه المصالحة فلن تكون ثمة فرصة للتعايش السياسي بين هذه الأطياف. علمنا من مصادر موثوقة انك ساهمت في لقاء الباجي والغنوشي ،هل إلى هذه الدرجة يرتبط حل الازمة السياسية بالجمع بين هذين الشخصيتين؟ أريد في البداية أن أوضح أن بعض وسائل الإعلام خاصة الخارجية منها قد تداولت مثل هذا الخبر، وأقول إنني لم أقم بوساطة ما، ولا بتلبية طلب أي طرف من الطرفين، وكل ما في الأمر أن علاقتي كرئيس حزب المستقبل بالرجلين أوحت لي بأن أبادر بتقريبهما . الشيخ راشد الغنوشي زرته لأول مرة في صائفة 2011 اي قبل انتخابات اكتوبر 2011 وجمعني به لقاء طويل اعتبرته ايجابيا جدا ترسخت في ذهني إثره فكرة ان للرجل حنكة سياسية وانه وطني صادق ، وما أكد لي ذلك أنه في تلك الفترة وعندما دار الحديث عن تغيير الفصل الأول من الدستور انذاك ،أفادني أنه لن يقع مس جملة مبادئ دستور 1959 الأساسية والمتعلقة بالمجتمع والمرأة والأسرة وانها مكسب التونسيين الذي لا يمكن التراجع عنه . أما الأستاذ الباجي قائد السبسي فعلاقتي به فاقت الثلاثين سنة وهو من رجال الدولة الذين لا يمكن لأحد اليوم التشكيك في وطنيته أو قدرته السياسية على تسيير دواليب الدولة إضافة إلى الدور الذي اضطلع به اثر احداث جانفي 2011 وبحكم هذه العلاقة أمكنني تقريب وجهات النظر بين الرجلين بمبادرة شخصية وذلك منذ ان كان الباجي رئيس الحكومة، ثم تواترت اللقاءات مع القياديين إثر اغتيال المناضل شكري بلعيد ثم اغتيال المناضل محمد البراهمي خاصة ، حينها اعتبرت أن حل تونس يكمن في التوافق بين هاتين الشخصيتين وهو في تقديري لا ينقص بالمرة دور سياسيين اخرين على الساحة السياسية والتي تفتخر بهم تونس جميعا. حسب تقديراتكم هل تمخض الحوار بين الرجلين عن لاشيء؟... لماذا توقفت الأمور في منتصف الطريق؟ قد يبدو للمتابع للشأن السياسي أن الأمور لم تكتمل وان التفاهم توقف في منتصف الطريق رغم المحاولات التي أشهد على صدقها من قبل الطرفين والنية الطيبة لدى الرجلين والعازمة على تجاوز الخلافات لكن تدخل شخصيات وطنية ورموز سياسية لها مكانتها ووزنها السياسي في هذه المرحلة سواء من صف الغنوشي أو من صف الباجي عطل توافقا واسعا لكن أكيد ان الهدف واحد وأثق بلا شك في وطنية كل الموجودين على الساحة وإني ليحز في نفسي أن وطنية كل هؤلاء تتخللها مزاحمة سياسية حقيقية لا تتعلق بحرب الزعامات كما يظن البعض بقدر ما هي محاولات تموقع سياسي استعدادا للانتخابات القادمة. الاجندة الانتخابية طغت اذن على التوافق مما يفسر الى حد ما أن القياديين لم يسيطرا على أتباعهما بالقدر المطلوب للحسم نهائيا في الأمر. يشاع انك أنت من أقنعت راشد الغنوشي بضرورة التخلي عن قانون الإقصاء أو ما يسمى بتحصين الثورة... على ماذا استندت في هذا الخيار؟ أقول في البداية إن ما يسمى قانون تحصين الثورة مثلما اقترح في المجلس التأسيسي الصائفة الماضية لا يعنيني شخصيا البتة، على أن الناحية المبدئية تقول إنه ليس قانون تحصين، إذ لا أحد مؤهل لتحصين الثورة سوى الشعب. التسمية إذن خاطئة فلا أحد يستفرد بتحصين الثورة ثم هذا القانون لا يخدم مصلحة تونس ولا يعطي صورة ايجابية عنها وإن زعمنا كوننا نخدم مصلحة الوطن كلنا فلا مكان للإقصاء بيننا، ثم إن بلدا اراد ان يكون ديمقراطيا لا يمكن أن يحرز تقدما ما في هذا الاتجاه من خلال قانون لا يمت للديمقراطية بصلة. أما مساهمتي في إقناع الشيخ بالتخلي عنه فلم أكن الوحيد الذي تدخل لدى رئيس حركة «النهضة» صاحب الاغلبية في المجلس التأسيسي كي لا تقع المصادقة على هذا القانون وان توصلت مجهوداتنا مجتمعة إلى إقناعه فإننا نشكره على تفاعله الايجابي مع مقترحنا الذي يخدم في الحقيقة مصلحة البلاد العليا. كسياسي وسفير كيف تنظرون للدور الذي يلعبه بوتفليقة في الازمة التونسية؟ سأقول في بادئ الأمر ان الرئيس الجزائري لم يكن ليتحاور وقياديي «النهضة» و«نداء تونس» لو لم يكن الحوار الذي بادرت به الطبقة السياسية متأزما. ثم علاقتنا بالجزائر لا تتوقف على الجوار فحسب بل تصب في ملحمة تاريخية واحدة قائمة على تاريخ مشترك ونسيج مجتمعي مشترك ونضال مشترك كما هو الأمر مع ليبيا وبالتالي فإني أعتبر أن الحوار الذي دار بين الرئيس الجزائري والشخصيتين التونسيتين يخدم في نهاية الامر المصالحة الوطنية والمصالح المشتركة للبلدين الشقيقين في هذا الظرف الدقيق خاصة في ما يخص مواجهة الإرهاب الذي يعتبر خطر يتهدد مستقبل تونس والمنطقة ككل ولا بد من تضافر جهودنا مجتمعة لاستئصال هذه الظاهرة الغريبة عنا وهو خيارنا الوحيد لإنقاذ مستقبل بلدينا. k كيف تقرؤون تعهد العريض بالاستقالة... هل هو تكتيك سياسي لربح المرحلة القادمة ام قرار اتخذ تحت ضغط الشارع ؟ إن المعضلة في البلاد سياسية بالأساس. أزمة سياسية ولدت إخفاقات في شتى المجالات الاقتصادي منها والاجتماعي. تعهد رئيس الحكومة بالاستقالة إذن يمكن اعتباره تكتيكا سياسيا ويحق له ذلك فهو رجل سياسة يتفاعل ومحيطه. عايشت تونس بعد تحول 1987 وتونس بعد 14جانفي كسياسي وتكنوقراط ما الفرق بين الثورتين؟ ما حصل في 7 نوفمبر 1987 ليس ثورة بل عملية التفاف على السلطة نتيجة تدهور الأوضاع في البلاد حينها. أما ما حدث في 14 جانفي2011 فقد بدأ من المنطلق ذاته، لكنه تحول الى ثورة شعبية ادت الى انهيار المؤسسات الدستورية. وفي هذا الاطار فاني أعتبر مكاسب التونسيين بعد 14 جانفي على المستوي السياسي ، أهم بكثير مما جاء به السابع من نوفمبر 1987 ونرى تبعات هذه المكاسب وثمارها رغم تأزم الوضع السياسي اليوم، مكاسبنا هي الحرية بأنواعها وخشيتي أن نفرط فيها اذا تواصلت التجاذبات بين السياسيين الفاعلين اليوم فالمواطن بات يطالب بالقوت اليومي، وبأمنه واستقراره ، قبل كل شيء ويكاد ينسى حريته في خضم هذه التجاذبات. في سنة 2011 تبرأ الجميع من العمل في ظل النظام السابق الا أنت ألم تخف ان تتهم انك من الأزلام ؟ولم تستعرض تاريخك النضالي لتحتمي به؟ «أنا ما ناكلش الغلة ونسبّ الملة» هكذا تربيت. النظام السابق له ايجابياته وسلبياته ككل نظام آخر في العالم وقد عملت خلاله بعد أن حملني مسؤوليات عديدة أديت فيها أدواري بكل التزام مما أتاح لي المساهمة في بناء تونس وتعصير مجتمعها واقتصادها مثلي مثل كل الكفاءات التونسية الأخرى التي لعبت أدوارا هامة بكل وطنية ونزاهة خدمة للجمهورية والشعب التونسيين. أنا مدين بالتالي لهذا النظام بتجربتي وخبرتي اللتين اكتسبتهما طوال سنين شغلي إن في المواضيع ذات الصلة بالشؤون الداخلية للبلاد أو الخارجية منها وإني لأرى أنه ليس من حق السياسي التملص من تاريخه ونظامه الذي تربى فيه وإن خالفه في الكثير وكنت من أول من عبر عن افتخاره بخدمته للجمهورية ذلك اني لم أخدم يوما اشخاصا ولا أحزابا معينة وقناعاتي هذه ثابتة وأذكر أنني عندما تحدثت أول مرة بهذه الطريقة في برنامج «الصراحة راحة» وغيره في الصحافة التونسية منذ سنة ونصف تقريبا ، أثار قولي هذا جدلا كبيرا لدى الاوساط السياسية واليوم يمنحني التاريخ فرصة اثبات صحة موقفي المبدئي هذا، حيث تعددت الاصوات اليوم في نفس الاتجاه ممن عملوا مع النظام السابق بعد صمت طويل. لم أخف إذن ولن أخاف قط أما تاريخي النضالي فيبقى مسألة شخصية لن أتبجح به مثلما يفعل غيري وأرفض أن يصبح مجرد استجواب بمركز شرطة شهادة عن النضال كما يحصل اليوم. جميع وزراء بن علي كانوا يتحججون انهم غير قادرين على التكلم مع بن علي وأنه لا حول لهم ولا قوة. هل هذا صحيح أم وسيلة للتفصي من المحاسبة؟ لا يمكنني الإجابة مكان هؤلاء الوزراء فلم أكن يوما وزيرا مع بن علي, أما مسألة «تليفونيكا» فقد أتيحت لي باعتباري سفيرا فرص محادثة الرئيس السابق بن علي فحدثته عن مخاوف جهات رسمية أجنبية عملت معها وتساؤلات بعض الهيئات الأممية والأوروبية حول التعامل مع الصفقات العمومية في تونس ونقلت له احترازاتها معتبرا أن دوري تبليغ نبض الدولة التي أعتمد لديها إلى رئيس الدولة بعد ان خسرت الشركة الاسبانية في ذلك الوقت «تليفونيكا» صفقتها الاولى في تونس بعد ان ساهمت في طلب العروض، ولا أتذكر ان غضب بن علي من ذلك بل اجابني « أليس محمد الغنوشي الوزير الأول هو المسؤول الأول على لجنة الصفقات العمومية ..؟» . وأذكر انه وفي المحادثة نفسها تطرقنا الى صورة تونس في الخارج وقلت للرئيس انه ليس ثمة صورة قاتمة أو اخرى ناصعة بالنسبة لتونس. وعموما أن كل الدول مهما فعلت لتلميع صورها فإن سلبية ما يراه الآخرون أو ايجابيته يحددها في نهاية الأمر عمل وزارة الداخلية لا غير. هل بإمكانك توضيح حقيقة ما جرى ليلة 14 جانفي التي حسمت فيها اطراف بعدم تمكين بن علي من العودة خاصة أنك ألمحتَ بذلك في كتابك «في خدمة الجمهورية» الذي نشر أخيرا؟ فعلا لقد تطرقت الى هذا الجانب دون الدخول في الجزئيات في كتابي في ذلك الوقت ، لكن دعني اقول لك اليوم بكل بساطة انه آن الآوان كي يعرف الشعب التونسي حقيقة ما جرى في الليلة الفاصلة ما بين 14 و15 جانفي 2011 وما أعقبها حيث ان التاريخ لا يرحم. فما حدث يوم 14 جانفي وتلك الليلة، لا يعرفه سوى الحاضرين بوزارة الداخلية بين الثالثة مساء والسادسة من صباح اليوم الموالي وهم معلومون للجميع وموجودون في البلاد. هناك من هو في السجن الآن وهناك من صمت وابتعد عن السياسة، وهناك من مازال ينشط سياسيا بعد الثورة . اما حيثيات اجتماعهم فقد ادت إلى ترؤس السيد فؤاد المبزع البلاد ، وفقا للفصل 57 من الدستور، والاستعداد للانتخابات العامة ثلاثة اشهر بعد ذلك كما ينص عليه نفس الفصل من الدستور ذاته. لقد كان هذا السيناريو نتاج دستور البلاد،بعد ان اعتبر هولاء ان فراغا حصل بأعلى هرم السلطة . و في هذا الاطار فإن بعض المعطيات التي استقيتها تفيد ان بن علي كان في حوار مباشر وعبر مساعديه ، مع مختلف القوى السياسية في البلاد منذ الايام الأولى من جانفي2011 ، وقد قبل الجميع حسب ما عندي من معطيات، الدخول في حكومة وحدة وطنية معه, وما حكومة الغنوشي الأولى في حقيقة الأمر إلا نتاج للوفاق الذي حصل مع الرئيس السابق، لكن هذا الأخير لم يتمكن في تقديري من المحافظة على الحكم والسيطرة على الوضع العام في البلاد، وبالتالي لم يكن رجل المرحلة حسب رأيي. ما رأيك في صيحة الكتاب الأسود في ظل التشدق بحرية الاعلام والصحافة ؟ هل هو طريقة للاقتصاص من الإعلاميين؟ الكتاب الأسود « موش وقتُو» والرئيس المرزوقي مازالت تطغى عليه نزعته الحقوقية وهو من المفروض ان يكون أبا لكل التونسين والتونسيات ،و المرجع عندما تشتبك السبل . بهذه الطريقة قد يكرس مبدأ التفرقة بين الشعب الواحد ويعمق الهوة في المجتمع التونسي لكن في نفس الوقت جاء بحقيقة تجاهلها العام والخاص عمدا منذ ثلاث سنوات ، مفادها تقريبا أن كل الناشطين السياسيين والاعلاميين ،الناشطين اليوم باسم الثورة التونسية قد تعاملوا في وقت ما مع النظام السابق ،وهذا في تقديري امر طبيعي . اما المزايدات باسم الشعب التي شاهدناها في كل وسائل الاعلام المرئية والسمعية من طرف نفس هؤلاء دعاة الثورة فهذا امر آخر ...!! يقال إن الثورة كشفت القناع عن الاحزاب التي ادعت الثورية ..؟ لا اعتقد ان هناك حزبا من الاحزاب يستطيع ان يتكلم باسم الثورة ... وان كان ذلك فهذا خطأ يرتكب في حق الشهداء الذين سقطوا قبل 14 جانفي وبعده . اكيد ان هناك احزابا اعتبرت نفسها ثورية واستغلت الفراغ السياسي آنذاك لتهيمن على الساحة السياسية وذلك بالتفرّد بالكلام والهيمنة على هيئة ابن عاشور أولا ،ثم داخل المجلس التاسيسي معتبرة ان الحراك السياسي لا يكون الا داخله ، واخيرا عند الحوار السياسي الاخير هي متمسكة بنفس العقلية مما يفسر الى حد الآن فشله . أين الدولة في حكومة «النهضة»، لم نر قرارات حاسمة وثابتة ..؟ كيف تكون هناك قرارات حاسمة ،بعد ان اهتز كيان الدولة وهيبتها ومؤسساتها . لقد اعتبر البعض ان قانون الغاب يرادف الديمقراطية والحرية . انظر الى تصرف التونسي مع محيطه، أوساخ في كل مكان ومصالح البلدية تطالب بالزيادة في الاجور وتلوّح بالاضراب ، انظر الى التونسي كيف اصبح يسوق سيارته دون احترام قانون السياقة ورجل الامن يخجل من ايقافه في بعض الحالات ، انظر الى الادارة التونسية والمصالح العمومية المهجورة من عامليها في اغلب اوقات العمل مع النقص في المعدات ، وفقدان المراقبة والردع . هل تتصورين بعد هذا ان القضية هي قضية حزب ما سواء ان كان «النهضة» او غيرها ...؟ القضية أعمق من ذلك ، هناك سوء فهم داخل المجتمع التونسي للحرية ولقواعد الديمقراطية ، هناك فقدان صارخ لمفهوم العمل وقيمته الحضارية في نفس هذا المجتمع الذي كثر فيه التواكل في ظل الثورة وحتى باسمها رغم محدودية مواردها. لا بد من الحزم ، ومحاسبة كل من يعبث بهذه المبادئ.. وألاّ ننساق في المدح المزيف الذي تبرره حملة انتخابية قبل الاوان ... . ان الوضع حرج ولا يستدعي منا فقط الحوار السياسي الناجح بل نحن في حاجة الى نخبة سياسية واعية بمسؤولياتها وقادرة على النهوض بهذا الشعب ومساعدته لخوض المعركة الحاسمة من اجل التنمية والامن والديمقراطية. كيف هي صورة تونس في العالم؟ لقد علق الكثيرون ومازالوا يراهنون عن تجربة تونس في الانتقال الديمقراطي ، وتبقى تونس البلد الذي اندلع فيه الربيع العربي نموذجا يحتذى به . الا ان هذا الرصيد المبدئي بدأ يزول أمام انعدام الحل السياسي للأزمة الراهنة من ناحية ونتيجة انسداد الافق امام المكونات الاقتصادية والاجتماعية من ناحية اخرى. فالصورة أصبحت شيئا فشيئا غامضة واقل ما يقال فيها أنها غير واضحة واحيانا قاتمة ،و في المقابل لا أرى أي تحرك للديبلوماسية التونسية لتوضيح الرؤية لشركائنا والدفاع عن مكاسبنا وان اقتضى الامر طلب الاستشارة والمساعدة من الدول الصديقة والشقيقة لتحقيق اهدافنا المنشودة . كيف ترى المشهد السياسي والاقتصادي في قادم الايام؟ قد تستغربي رغم كل ما قلته آنفا ، ان التونسي قادر على استرجاع قواه رهينة ان نوضح له الرؤية ، وبالتالي فانه يوم يحدد موعد للانتخابات الرئاسية والتشريعية ، ستستقر الامور اكثر وينصرف التونسي الى العمل والاستعداد لمستحقاته السياسية شأنه شأن كل مواطن يحظى بثقة الانتماء الى بلد حر وديمقراطي..