بقلم: جيهان لغماري «شغل، حرية كرامة وطنية»، هذا الشعار الذي صدحت به الحناجر يمكن اختصاره مؤسساتيا وسياسيا في إعلام حرّ، قضاء مستقل وتنمية مع عدالة في توزيع الخيرات. هذا الثلاثي كتلة واحدة والأخذ بعنصر وترك آخر يعني خسارة كل أضلاع المثلّث ولو بعد حين!. فحرية الإعلام بقضاء مُوَجَّهٍ ستُنتج في البداية مقولة «قلْ أنت ما تشاء وأنا أفعل ما أريد» وستنتهي تدريجيا بالعودة إلى مربّع عدم الكلام أصلا وطبعا الصمت بالقانون المبرمَج على المقاس!. لا أحد كان ينتظر المأزق الحالي الذي تسبّب فيه مشروع الفصل 103 حول تعيين القضاة في المناصب العليا. فهو في الحقيقة جامع للطيف السياسي وللعامّة لأنه يلبّي مطلبا مفصليّا وهو استقلالية القضاء وخروجه من جبّة التعليمات والمقايضة التي عرفها قبل الثورة، والتي تسبّبت في كوارث اجتماعية واقتصادية وسيطرة مراكز النفوذ على كل مفاصل الدولة باستعمال ثلاثي الرعب: المال، السلطة والقضاء. السؤال المطروح، لماذا أسقطت النهضة و«توابعها» المشروع الأصلي للفصل واقترحت تعديله بما يُعيد التعيينات لرئيس الحكومة باقتراح من وزير العدل وكأنّ هذا الأخير كائن هلاميّ مستقلّ عن سلطة وزيره الأول!. رئيس كتلة النهضة الصحبي عتيق ذكّر بأنّ مناضلي حركته هم أكثر مَن نكّلتْ بهم سياسة التعليمات ولذلك لا أحد يزايد عليهم في التمسك باستقلالية القضاء وهو تصريح جيّد كان من المفروض أن يؤدّي ظاهره إلى تبنّي الفصل دون تردّد، لا أن يؤكّد باطنه تبنّي التعديل وإسقاط الفصل تحت تصفيق و«غبطة» نواب النهضة!. قد تتعدّد تأويلات هذا الموقف ودوافعه لكنها تتفق جميعها عل خطإ منهجي أضرّ بعامل الثقة الذي بدأ نسبيا يبرز بين الفرقاء. فإن كانت النهضة خائفة من محاسبتها على فترة الحكم وهو ما أشار إليه النائب الناصر البراهمي فإنّ المحاسبة السياسية تكون في نتائج صندوق الانتخاب لا في المحاكم. أمّا لو تعلّق الأمر بتجاوزات ذات طابع جزائي، فالقانون يطبّق على الأشخاص بصفتهم الفردية ولا ينظر إلى انتمائهم الحزبي ولنا أمثلة لا تُحصى ولا تعدّ في العالم عن مسؤولين في السلطة أو في أحزاب المعارضة وقعت مقاضاتهم بشخوصهم دون المسّ بأحزابهم. التأويل الثاني، وهو الأقرب، أنها خمّنت فوزها في الانتخابات القادمة مما يعطيها اليد الطولى لإدامة بقائها عن طريق السلطة التنفيذية المالكة لمفاتيح القضاء. في الحالتيْن، فصول الدستور لا تُكتب بتكتيكات الآني بل للأجيال القادمة، ولا نفهم كيف أنّ من عذّبهم سيف التعليمات بمجرد فصلٍ في قانونٍ أساسي، هم أنفسهم من يدفعون إلى «دسترة» هذا السيف وتحصينه ببهارات شكلية؟. إنّ بقاء القضاء رهين نوايا السلطة التنفيذية سيسيل لعاب أيّ فائز(مهما كان لونه) في الانتخابات القادمة للسيطرة على الدولة وعندها ستُقبَر وإلى الأبد كل أحلام الثورة مقابل عودة الديكتاتورية بقناع جديد وبديباجة ديمقراطية زائفة. لذلك فإنّ العودة إلى الصيغة الأولى للفصل 103 ستكون انتصارا للجميع وأساسا للنهضة (لو تمعّنت فيه) لأنه سيحميها سواء كانت في كرسي الحكم أو في مقدّمة المعارضة!.