بقلم: جيهان لغماري مازال الفصل 19 للتنظيم المؤقت للسلط العمومية المتعلق بشروط سحب الثقة من الحكومة «يسيل» الكثير من التصريحات المتناقضة. ليس الأمر مبدئيا عند الفريقيْن المتقابليْن بقدر ما هو لعبة حسابية فيها الجمع والطرح وإن لزم الأمر القسمة والضرب (في معنيَيْه القاموسي والحسابي) لضمان الوصول إلى سباق الانتخابات بحظوظ أوفر من الفريق المنافس. لو حاولنا تفكيك مقترح جماعة الحوار وما قدمه اجتماع رؤساء الكتل حسابيا وبالفاصل: اقتراح الثلثيْن لسحب الثقة من الحكومة، أمّا الثاني فثلاثة أخماس. ظاهر المعادلتيْن يوحي بأنّ «النهضة» (وحلفاؤها) تنازلت ولكن لو تمعّنّا جيدا لوجدنا على الأقل نظريا أنه وقع النزول من ضرورة كسب 145 صوتا لسحب الثقة إلى 130 فقط (على قاعدة 217 نائب بالمجلس) و15 صوتا أقلّ، يعني قلب كل موازين الحساب والمناورة. فإذا جمعنا كتلة «النهضة» و«وفاء» و«المؤتمر» وبعض غير المنتمين للكتل وربما «تيار المحبة» الذي رفض منذ البداية مبادرة الرباعي، لوجدنا أنّ الوصول إلى الثلاثة أخماس المستوجب توفرها ليس أمرا صعبا بل جاز القول انه مضمون. بهذا المعطى الحسابي، يمكن فهم تهديد «الجبهة الشعبية» بالانسحاب من طاولة الحوار الوطني ما لم يتم اشتراط الثلثيْن لسحب الثقة من الحكومة القادمة. مقابل ذلك نجحت «النهضة» في تسويق نجاحها في الجمع بين توافقات مبادرة الرباعي ولو بالنزول قليلا تحت حاجز الثلثيْن، وبين ضرورة الخضوع أيضا للمسار التأسيسي. ووجود عريضة داخل التأسيسي رافضة لتنقيح الفصل 19 يعني أنّ رسالة «النهضة» لرباعي الحوار أنّ عليهم إقناع الطرف المعارض بأنّها أعطت أقصى ما تستطيع وأنّ الالتجاء لخيار التأسيسي فقط كاف لعدم تمرير مشروع التنقيح ! وبذلك أخلت مسؤوليتها في حال تواصل التمسك بالثلثيْن. يبدو من اجتماع رؤساء الكتل وإمكانية توافقهم على اقتراح الثلاثة أخماس أنّ الرسالة وصلت إلى بعض أحزاب المعارضة وبذلك قد تقع مناقشتها في جلسات الحوار الوطني ويقع القبول بها ولو بعد تمنّع من بعض الأطراف وأساسا «الجبهة الشعبية». مع ذلك تبقى لعبة الحساب وسيلة لما هو أهم، أي كيف ستتصرّف الأحزاب طوال فترة حكومة المهدي جمعة؟ «النهضة» تريد أن تحضّر حملتها الانتخابية باكرا ولكن دون مطبّات قد تعيق أو تؤثّر على استعدادها وحظوظها، واحتفاظها بمقود ثلاثة أخماس المجلس قد يقيها من أيّ قرار حكومي يؤثر فيها وعليها قبل الانتخابات، من قبيل مراجعة شاملة للتعيينات وإعادة فتح بعض ملفات وزراء المرحلة الفارطة. وفي المطلق لن تقبل «النهضة» تواصل تحميلها كل هنّات المرحلة حتى وهي خارج الحكومة. بالنسبة للطرف المقابل، في حالة استمرار تمسّكه بحاجز الثلثيْن، قد يخلق حالة انسداد سياسي جديدة ولا نظنّ أنه سينجح في حشد الرأي العام إلى جانبه وليست له حتى القدرة على تحمّل تبعات هذا الانسداد. لذلك نعتقد أنه سيقبل بما هو توافق «مفروض» عليه حتى لا يضع نفسه في الركن منعزلا وحتى لا يُتَّهَم بالقصوويّة مقابل مرونة (مع أنها شكلية) ظاهرة من طرف «النهضة» لكنها مطمئنة لنفسيّة المواطن العادي. مقابل ذلك، ستعمد الجبهة إلى مراقبة «سَكَنات» و«همَسات» الحكومة الجديدة، فإن رأت أنّها قامت بما هو مطلوب منها، قد تساندها بعد طول انتظار. ولكنّ المطلوب من الحكومة جبهويّا قد يكون هو غير المطلوب نهضويّا!، وقد تمرّ «النهضة» حينها إلى ضرب أخماسها في أسداسها وتخرج «سوط» الثلاثة أخماس في رحاب التأسيسي لسحب الثقة من الحكومة. أيضا، نظريا لو رأت «الجبهة» أنّ الحكومة لم تطبق بنود خارطة الطريق، وقتها ستندم أصلا على تنقيحها للفصل 19 ولن تستطيع التحرك لإسقاطها داخل التأسيسي. وفي كل هذه الفرضيات، تتناسل الأرقام في متاهة الحساب لكنّ الحساب الحقيقي هو تحت الطاولة لا فوقها حسب أوراق الضغط التي يُخفيها كلّ طرف للمرحلة القادمة!.